الجمعة 18 أكتوبر 2024 م - 14 ربيع الثاني 1446 هـ
أخبار عاجلة

مولد الهدى.. ميلاد للأمة

الأربعاء - 25 سبتمبر 2024 05:01 م

إن مولد النبي (صلى الله عليه وسلم) هو مولد الهدى، فهو (صلى الله عليه وسلم) بُعث بالهدى ودين الحق (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة ـ 33).

لقد كان الناس في مكة يعبدون الأصنام وحررهم النبي (صلى الله عليه وسلم) من عبادة الأصنام إلى عبادة الله الواحد الأحد الصمد، وكوّن النبي (صلى الله عليه وسلم) بعد هجرته إلى المدينة المنورة مجتمعًا خاليًا من كل الحزازات والعصبيات؛ فقد آخى بين الأوس والخزرج، ووضع نظامًا للتعايش الحق بين كل الفصائل أو العرقيات التي كانت تعيش في المدينة المنورة، وأرسى مجتمعًا أسسه بالمودة، والأخلاق الفاضلة، والطبائع الحسنة، وقدم (صلى الله عليه وسلم) أفضل أمة تقود العالم إلى الهدى والخير والرشد، والأمن والأمان، والسلم والسلام، وبقيت الآثار شاهدة إلى وقتنا هذا من أوروبا غربًا إلى الصين شرقًا.

إن ما أحدثه النبي (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الكرام ومن جاء بعدهم من التابعين من الفتوحات العظيمة في شرق العالم وغربه يعجز عن وصفه الواصفون أو أن يعبر عنه المعبرون، لقد كانت فتوحات خير وبركة ونصر وهمة في كل المجالات العلمية والعسكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والمالية، وكل ما يخطر في البال كان للمسلمين السبق فيه، وذلك لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) بعث بالهدى، وكلمة الهدى تكفي عن أي بيان، وتكفي عن أي شرح وتعبير، وتكفي عن أي تفصيل، وما أتيت من التفصيل هو لبيان معنى الكلمة لمن عجز عن فهمها الحقيقي، وإلا فإن العرب بالسليقة يفهمون، وبالتلميح يلتقفون، وبالتورية يدركون.

فمولده (صلى الله عليه وسلم) مولد الحق ومولد النور، فبمبعثه صلى الله عليه وسلم شاع النور في أرجاء الأرض والسماء، ويذكر الله عز وجل في آيات عديدة من كتابه الحكيم، الكثير من الحقائق والأمور التي تتعلق به (صلى الله عليه وسلم)، وتبين صدق مبعثه (صلى الله عليه وسلم) وصدق وحي القرآن الكريم له من عند ربه عز وجل؛ فمكوثه (صلى الله عليه وسلم) في مكة مدة من الزمن تصل إلى أربعين سنة دون أن يقول أنه رسول من عند الله يوحى إليه كلام من عنده سبحانه وتعالى دليل على صدقه (صلى الله عليه وسلم)، وعلى أنه رسول من عنده عز وجل من أين له أن يضمن أنه سيعيش حتى يبلغ الأربعين ثم يعلن للناس أنه نبي، إنها تهيئة الله عز وجل له (صلى الله عليه وسلم).

وقد أوحى الله إليه القرآن عن طريق جبريل (عليه السلام) كي يسطع نور القرآن في هذه الأرض فيهدي به سبحانه وتعالى من شاء من عباده، وإنه (صلى الله عليه وسلم) يهدي إلى صراط مستقيم وهو دين الإسلام العظيم، وقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يتيمًا وآواه سبحانه وتعالى، وكان في بيئة ضالة عن الطريق السوي فهداه الله إلى الحق، وأكرمه بالنبوة، وأنزل عليه القرآن، وكان فقيرًا فأغناه، وأنعم الله عز وجل عليه بنعمٍ كثيرة منها النبوة والقرآن والإسلام؛ فأرشده سبحانه وتعالى على أن يتحدث بنعمه عليه، ففي ذلك شكر له سبحانه، وفي ذلك تبليغ لرسالة الله الخالدة؛ رسالة القرآن، ورسالة الإسلام؛ بل ورسالة النبوة، أليس ما في هذه السورة العظيمة وهناك من الآيات الكريمة دليل على صدق الوحي، وصدق الموحِي، وصدق الموحَى، وصدق الموحَى إليه، بلى وربي!، فلتتأملها ولتتدبر فيها أيها الإنسان، إنك إن لم تفعل فقد بؤت بالخسران المبين؛ فهذا القرآن الكريم وحي أوحاه الله عز وجل على نبيه الكريم محمدًا، وليس هو بقول شاعر، ولا بقول كاهن.

وإن مولده (صلى الله عليه وسلم) مولد المعجزات؛ فهذا القرآن الكريم معجزة الله في أرضه وسمائه؛ يبهر العالم بما فيه من درر نفيسة، وحكم كثيرة، وعلوم جمة، وهدي قويم؛ وإن مولده (صلى الله عليه وسلم) مولد العلم؛ فهذا القرآن الكريم يرشد الناس إلى العلم ويحثهم عليه؛ وإن مولده) صلى الله عليه وسلم) مولد التقوى، ومولد الرحمة ومولد السلم ومولد الوحدة ومولد النصر والفتح والقوة والحضارة، أليست الحضارة في أي أمة هي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويشمل كل ناحية من نواحي المجتمع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمالية.. وغير ذلك، بلى! لذا كانت أمة الإسلام خير أمة أخرجت للناس.

هذا هو مولد النبي (صلى الله عليه وسلم) الذي يعجز عن وصفه الواصفون، ويتحير في التعبير عنه المعبرون، إنه رسول الله الخاتم إلى العالمين، ونبيه المرسل إلى الثقلين، وحامل رسائل أنبياء الله السابقين؛ مصدّقًا لما جاءوا به، ومهيمنًا عليها.

إن ذكرى ميلاده (صلى الله عليه وسلم) حياة تُذكر في كل آن وحين، وفي كل زمان ومكان، وفي كل وقت وساعة.

محمد بن زهران الرواحي

 باحث شؤون إسلامية