ينشب جدال غير محسوم بين التربويين حول الواجبات المنزلية، بين مؤيد لها لكونها تعزز التعلم وتساعد الطلاب على فهم الموضوعات التي يتلقونها في المدرسة، وتنمِّي لديهم مهارات الانضباط والشعور بالمسؤولية، وتثري المقررات الدراسية، وتشجِّع الطلاب على التساؤل والبحث والاكتشاف. في المقابل، يرى فريق آخر من المربين والباحثين وعلماء النفس التربوي أن الواجبات المنزلية مرهقة للطلاب نفسيًّا وجسديًّا، خصوصًا عندما تكون كثيرة ومتزاحمة بسبب كثرة المقررات وعدم التنسيق بين المعلمين في إعطاء الواجبات، كما أنها تحرم الأطفال من الاستمتاع بأوقات الفراغ وتضعهم تحت وطأة الضغط، وتوجد جوًّا من التوتر والقلق بين الآباء والأبناء، مما يدفع العديد من الآباء إلى الاستعانة بالدروس الخصوصية لمساعدة أبنائهم في كتابة الواجبات.
ويُعتقد أن الواجبات المنزلية تقلل من فرص الطلاب في التفكير والاعتماد على الذَّات، وتَحُول دون توجههم نحو وسائل تربوية وترفيهية تحفزهم على البحث والمغامرة والاكتشاف، بالإضافة إلى ذلك، فإن الواجبات المنزلية المكثفة تؤدي إلى تأخير نوم الطلاب وآبائهم، ما يجعل الطلاب يستيقظون متأخرين ويحضرون إلى المدرسة كسالى ومتعبين. كذلك، تزيد أعباء المُعلِّمين الذين يقضون أوقاتًا طويلة في تصحيح الواجبات وتقديم التغذية الراجعة. ويرى خبراء التربية أيضًا أن الواجبات المنزلية تُضعف حافز التعلم الذاتي لدى الطلاب وتسبب لهم الكثير من الملل، كما أن بعض الطلاب قد يُرهقون ولا يتمكنون من إكمال الواجبات، مما يخلق فجوة بين من تسمح ظروفهم بالاستعانة بمدرسين خصوصيين لمساعدتهم وبين أولئك الذين لا تتيح لهم مواردهم المالية هذه الإمكانية.
من هنا ينادي طرف ثالث من المرَبِّين بتبنِّي أسلوب حل الواجبات المدرسية في المدرسة تحت إشراف المعلمين، معتبرين أن كتابة الواجبات تمثل تعزيزًا لما يتعلمه الطلاب في الحصص الدراسية، وقبل أن يغادر الطلاب مدرستهم، تُخصص الحصص الأخيرة من اليوم الدراسي للأنشطة الدراسية وكتابة الواجبات، ما يسمح للطلاب بالرجوع إلى بيوتهم متخففين من أعباء كتابة الواجبات، ليستمتعوا بأوقاتهم في اللعب والاسترخاء، هذا الأسلوب يكمل منهج مساعدة الطلاب على النمو في مختلف جوانب حياتهم، ويتيح لهم الانخراط في فعاليات تربوية أخرى مثل ارتياد المكتبات ومراكز الترفيه التربوي والرياضة والقراءة الحرة، إضافة إلى ممارسة الأنشطة التي تساعدهم على الابتكار والإبداع مثل حفظ القرآن وتعلم الموسيقى وممارسة هوايات مفيدة وممتعة.
تواجه بعض المدارس التي تتبنى هذا الاتجاه تحدِّيات من قبل بعض أولياء الأمور الذين يؤمنون بأنه لا يوجد تعليم جاد وحقيقي دون واجبات مدرسية. علمًا أن تجارب دولية عديدة في الشرق والغرب أثبتت نجاح تجربة المدارس الخالية من الواجبات المنزلية، حيث تخرج منها طلبة مؤهلون علميًّا وتربويًّا. ومع ذلك، ما زالت العديد من مدارسنا تُصر على إرهاق الأطفال والتلاميذ الكبار بواجبات غير مخططة وغير هادفة في كثير من الأحيان.
قبل أن أختم كتابة هذا المقال، التقيت بمشرف مادة الرياضيات بمحافظة ظفار الأستاذ عبد الرزاق البلوشي، وسألته: هل تؤيد الواجبات المنزلية أم كتابة الواجبات داخل المدرسة؟ فأجابني إجابة رائعة قائلًا: لا يهم إن كانت الواجبات منزلية أو داخل المدرسة، المهمُّ أن يكتسب الطلاب الشعور بالشغف والمتعة أثناء قيامهم بأداء الواجبات، بمعنى أن الطالب يجب ألا يشعر بأن الدراسة عبء ثقيل. وطال الحديث بيننا لنخلص إلى أن استمتاع الطالب بما يتعلمه سوف يوجد منه شخصية مبادرة تتمتع بفضول معرفي وتحفيز ذاتي، وهذا لا يتحقق إلا باستيعاب المُعلِّمين لدورهم في إيقاظ متعة التعلُّم لدى جميع الطلاب.
عندئذٍ تصبح الواجبات داخل المدرسة كافية لتحقيق أهداف التعلُّم، لأن الطالب لن يكتفي بها، فالشغف سيحرك لديه فضول التعلم والتلقِّي والقيام بمحاولات تعلُّم واكتشاف متقدمة.
دـ أحمد بن علي المعشني
رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية