السبت 26 أبريل 2025 م - 27 شوال 1446 هـ
أخبار عاجلة

التوجيهات السامية .. آليات قياس مستوى الرضا لدى المستفيدين من الخدمات الحكومية ومنصة إلكترونية مخصصة لتلقي الشكاوى والمقترحات فـي المؤسسات الحكومية

التوجيهات السامية .. آليات قياس مستوى الرضا لدى المستفيدين من الخدمات الحكومية ومنصة إلكترونية مخصصة لتلقي الشكاوى والمقترحات فـي المؤسسات الحكومية
الأحد - 22 سبتمبر 2024 06:20 م

محمد بن سعيد الفطيسي

40

العديد من التوجيهات السَّامية الكريمة الَّتي أمرَ بها حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق (أعزَّه الله) في اجتماع مجلس الوزراء بقصر المعمورة العامر بصلالة بتاريخ 19/9/2024م، من بَيْنِها: «أهميَّة تطوير آليَّات قياس مستوى الرِّضا لدَى المستفيدين من الخدمات الحكوميَّة والجوانب المتَّصلة بتبسيط الإجراءات، بما يُسهم في تجويد الخدمات المُقدَّمة وتحسين انطباعات المستفيدين من تلك الخدمات.. بالإضافة إلى تدشين منصَّة إلكترونيَّة مُخصَّصة لتلقِّي الشكاوى والمقترحات في المؤسَّسات الحكوميَّة خلال العام القادم».

عَلَيْه، سنركِّز في هذا الطرح الموجز على ثلاث نقاط هي أهميَّة: تطوير آليَّات قياس مستوى الرِّضا لدَى المستفيدين من الخدمات الحكوميَّة، وموضوع تبسيط الإجراءات، وتوجيه جلالته بضرورة تدشين منصَّة إلكترونيَّة مخصَّصة لتلقِّي الشكاوى والمقترحات في المؤسَّسات الحكوميَّة.

أوَّلًا: أذكر أنَّني تناولتُ في مؤلَّفي «الدَّولة المطمئنَّة» الصَّادر في العام 2015،ص 292 موضوعًا بعنوان: سيكولوجيا الجماهير ومعايير تقييم الأداء الإداري للمؤسَّسات الرسميَّة، وتطرَّقتُ في هذا المحور إلى أهميَّة آليَّات قياس مستوى الرِّضا لدى المستفيدين من الخدمات الحكوميَّة ولكن «من خلال وجهة النَّظر الجماهيريَّة أو الشَّارع، والَّتي يفترض أن تكُونَ تلك القرارات والمرئيَّات الرسميَّة والحكوميَّة موَجَّهةً لمصلحتها في الأصل، ويفترض أن يكُونَ هناك شِبه إجماع أو استقرار نَفْسي وفكري في لُغة الرِّضا الجماهيري عَلَيْها، حتَّى وإن كانت من وجهة النظر الرَّسميَّة صحيحةً وسليمة، كما أنَّ هذا النَّوْعَ من التقييمات النَّفسيَّة والاجتماعيَّة مناسب جدًّا لقياسِ مدَى الفاعليَّة الجماهيريَّة لتلك القرارات ومعالجاتها الَّتي تتَّخذ لاحتواء وإدارة الأزمات من خلال مستوى القرارات والمرئيَّات قَبل وبَعد الأزمة أو المُشْكلة المراد قياس مدَى سلامة وفاعليَّة الرِّضا الجماهيري تجاهها».

وأشرتُ حينها إلى أنَّ اختيار مرحلة معيَّنة لقياس الأداء الحكومي من خلال معايير التقييم الجماهيري النَّفْسي والاجتماعي هي أساس رئيس لا قِيمة لأيِّ تقييم من دُونِها، ويُمكِن للمؤسَّسات الرسميَّة والمُشرِّعين الحكوميِّين وأصحاب القرار في أيِّ نظام رسمي التعامل وتطبيق هذه المعايير واعتمادها وتفعيلها من خلال طُرق معروفة كالنزول إلى الشَّارع، أو من خلال تكليف بعض المؤسَّسات البحثيَّة أو مواقع قياس واستطلاع الرَّأي الميدانيَّة أو الإلكترونيَّة الَّتي يفترض أن لا تخلوَ مِنْها دَولة حديثة أو مؤسَّسة رسميَّة، ويُمكِن الاستعانة بمؤسَّسات المُجتمع المَدَني والأشخاص الَّذين يوثَق في كفاءتهم وخبرتهم المهنيَّة وفي أمانتهم الوطنيَّة. ومن أهمِّ تلك المعايير الرِّضا الجماهيري أو الثقة العامَّة على تلك القرارات والخدمات الَّتي تُقدِّمها الحكومة وثبات مستوى لُغة الخِطاب الجماهيري المتداول في الشَّارع كفعلٍ أو ردَّةِ فعل على المعالجات الَّتي وجّهت للمُشْكلة أو الأزمة، وأخيرًا ثبات مستوى المصداقيَّة الرسميَّة لمُنفِّذي القرارات الحكوميَّة. كما تطرَّقتُ في كِتاب «القيادة السياسيَّة والحُكم الراشد» الصَّادر في العام 2016 ص 213-284 بالفصل الرابع المتعلِّق بتحليل السياسات العامَّة إلى موضوع تقييم آثار السياسة العامَّة على المُجتمع.

على ضوء ما سبق فإنَّ مسألة تقييم أداء المؤسَّسات، بالإضافة إلى المسؤولين في تلك المؤسَّسات مُهمٌّ للغاية، ولكنَّ الأهمَّ من ذلك هو الإصلاحات الَّتي يجِبُ أن تتمَّ نتيجة التقييم (ملاحظات وشكاوى)، إعادة النظر في التصرفات والسلوكيَّات والإجراءات الَّتي تتمُّ في تلك المؤسَّسة، وضرورة متابعة أجهزة الدَّولة المعنيَّة لتلك التقييمات، وسرعة معالجة الشَّكاوى ومتابعة الملاحظات الَّتي يتمُّ إبداؤها من قِبل المراجعين والمستفيدين من الخدمة العامَّة.

أمَّا بالنسبة لمسألة تبسيط الإجراءات فقد تكلَّمنا عَنْها كثيرًا في العديد من الدراسات والمقالات السابقة، وأكَّدنا على أنَّ التعقيد والبيروقراطيَّة ليس من مصلحة الحكومة ولا هو كذلك من مصلحة المواطن. فالحكومة ستخسر في حال وجدت التعقيدات الكثير من المصالح الحيويَّة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، لا يُمكِن قَبول التعقيد وكثرة الإجراءات في قضايا استقطاب الاستثمار، كما لا يُمكِن قَبول التعقيد في قضايا تؤثِّر على الثقة العامَّة في الحكومة، خصوصًا عِندما تتعلق تلك التعقيدات في الإجراءات بمسائل الحقوق مِثل استخراج الملكيَّات والحصول على المسكن أو التوظيف وما إلى ذلك من القضايا الَّتي تدخل في معيشة المواطن وحقوقه الأساسيَّة.

يضاف إلى ما سبَق أهميَّة وضرورة متابعة الجهات الحكوميَّة المعنيَّة وأجهزة الرقابة الإداريَّة للدَّولة لتلك المطالب الإجرائيَّة التقديريَّة الَّتي تترك بِيَدِ الموظف، مِثل تفسير القوانين واللوائح، المُخالفات بمختلف أشكالها، المستندات الورقيَّة الَّتي لا داعيَ لها لدَى الجهات الحكوميَّة والَّتي أصبح العالَم الرقمي بديلًا لها، التعقيدات الَّتي تبرز عن الموظف العام عِند مراجعة المستفيد من الخدمة الحكوميَّة، خصوصًا تلك التقديريَّة والتفسيريَّة. وأرجو من القارئ هُنَا العودة إلى مقال (معاملات تتأرجح بَيْنَ خلافات التفسير والإجراءات المبهمة) لتوضيح وجهة النظر أكثر حَوْلَ هذه النقطة.

أخيرًا، ما يتعلَّق بالمنصَّة إلكترونيَّة المُخصَّصة لتلقِّي الشكاوى والمقترحات في المؤسَّسات الحكوميَّة والَّتي طالَما تكلَّمنا عَنْها وطالَبْنا بها، وكم نتمنَّى أن يتمَّ متابعتها من أعلى المستويات الحكوميَّة، كما يجِبُ أن يتمَّ مراعاة الإنصاف فيما يتعلق بما يردُّ بها، فكما لا يجوز إهمال تلك الشكاوى والمقترحات أو التهاون بها أبدًا، ففي ذات الوقت يجِبُ أن يتمَّ المحافظة على هيبة الموظف العامِّ ومكانته. بمعنى آخر، لا بُدَّ من العمل المهني والقانوني حيال تلك الشكاوى والمقترحات، وليس وفق العواطف والاندفاعات أو التسرع في التعامل مع مِثل هذه القضايا.

إذًا وجود منصَّة رسميَّة للاتصال والتواصل بَيْنَ الجهات الرسميَّة والمستفيدين من الخدمات الحكوميَّة لتلقِّي الشكاوى والمقترحات ستكُونُ فكرةً لو نُفِّذت بطُرقٍ احترافيَّة غاية في الفائدة الوطنيَّة.. وقد تكلَّمنا عن الوظيفة التواصليَّة وأهميَّتها في مقالات سابقة مِثل مقال (ضعف الوظيفة التواصليَّة للحكومة مع الرأي العامِّ وتأثيرها على السياسات الاقتصاديَّة للدَّولة).

محمد بن سعيد الفطيسي

باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

MSHD999 @