الأربعاء 06 أغسطس 2025 م - 12 صفر 1447 هـ
أخبار عاجلة

«الخوارزمية البشرية كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تحديد من نحن» «1ـ2»

«الخوارزمية البشرية كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تحديد من نحن» «1ـ2»
السبت - 21 سبتمبر 2024 04:39 م

سعود بن علي الحارثي

10

أصبح مصطلح «الذَّكاء الاصطناعي» شائعًا ومستخدمًا بقوَّة في هذه الأيَّام، مدللًا على أنَّ العالَم يعيش ثورة جديدة ليست كمثيلاتها الَّتي شهدها التاريخ الإنساني سابقًا ـ بل يرى العديد من الخبراء والمتخصصين أنَّ القادم أكبر بكثير من كونه ثورة «هل ندخل ثورة صناعيَّة جديدة أم شيئًا عميقًا أكثر بكثير؟» ـ سوف تُحدث تحوُّلًا عميقًا أو انقلابًا شاملًا في المفاهيم والثقافة العامَّة وأساليب الحياة وتقنيَّاتها، وانعكاساتها على المشاعر والعواطف والقِيَم الإنسانيَّة، بمعنى أنَّها سوف تقود إلى خير الإنسان وازدهاره وتحسين وتجويد جيناته الوراثيَّة وسلوكه وحماية جسده ووقايته من الكثير من الأمراض والأوبئة وزيادة حدَّة ذكائه وعمره على السَّواء، أو إلى ارتفاع جرعات الشر وشقائه وفنائه، «... سيقلب أنماطًا في السلوك البَشَري، ويبدل نظرتنا إلى أنْفُسنا والآخرين...»، وكما قال «ستيفن هو كينج»، «سيكُونُ الذَّكاء الاصطناعي على الأرجح أفضل أو أسوأ شيء حصل للإنسانيَّة». ويقصد بـ»الذَّكاء الاصطناعي»، تلك الأجهزة والأنظمة والآلات والروبوتات والبرامج الَّتي صنعها الإنسان ويجري عَلَيْها العديد من الدراسات والتحسينات والتحديثات لِتصبحَ قادرة على التفكير والمزيد من التطوير المستمر، لِتتفوقَ على العقل البَشَري وقد لا يصبح للإنسان سيطرة عَلَيْها مستقبلًا، بمعنى أنَّنا نعيش «عصر الآلات الذكيَّة» وعلى أعتاب أن نصبحَ «محاطِين بالذَّكاء الاصطناعي»، فلأوَّل مرَّة في التاريخ البَشَري «أصبحنا نصنع آلات ستفكِّر وتتطور من دُونِ سيطرة بشريَّة عَلَيْها»، إذ يتوقع راي كورزوايل بـ»أن نصلَ إلى مرحلة التفرُّد التكنولوجي، حيث يتفوَّق ذكاء الآلة على الذَّكاء والفَهمِ البَشَريَّيْنِ، قَبل أقلّ من ثلاثين سَنةً. بَيْنَما يعتقد البعض أنَّ هذا سيحصل قَبل ذلك بكثير». إذن كيف سيصبح حال العالَم في ظلِّ هيمنة الآلة، وتحرُّرها من سيطرة البَشَر؟ وما هي الضمانات أو مصادر القوَّة الَّتي سوف تحمي البَشَريَّة من سطوة وتنامي قدرات ومحاولة انقلاب الروبوتات عَلَيْها؟ وهل سنندمج مع المخلوقات الَّتي نصنعها، لِنشكِّلَ عالَما مثاليًّا متكاملًا ومتعاونًا قادرًا على تحقيق إنجازات عظيمة وغير مسبوقة للإنسانيَّة، يكُونُ فيها الإنسان هو المتحكم والمسيطر وفي يَدِه دفَّة القيادة؟ أم أنَّ العكس هو ما سيحدث؟ هل الروبوتات هي الَّتي ستفكِّر وتقرِّر وتعمل بالنيابة عنَّا، بمعنى أنَّها ستقوم بكُلِّ ما يتوجَّب عَلَيْنا فعله، فماذا سيكُونُ دَوْرنا إذن؟ هل سيحسِّن الذَّكاء الاصطناعي من سلوكنا؟ وهل سيُسهم في تصحيح وإصلاح عيوبنا؟ وهل سيعمل على تعزيز جرعات الخير والحُب والصِّدق على حساب الشَّر والكره والكذب..؟ إذن «عَلَيْنا أن ننتظرَ لنرَى إن كانت الآلات الذكيَّة ستتعلم من الأجزاء المُظلِمة لطبيعتنا البَشَريَّة أو من الأجزاء النبيلة»؟ أين عالَمنا العربي من عصر «الذَّكاء الاصطناعي»؟ وما هي إسهاماته وخططه وجاهزيَّته للتعامل مع العالَم الجديد؟ ألا يُعبِّرَ «عصر الذَّكاء الاصطناعي عن الفجوة الهائلة والعميقة أو المسافة الزمنيَّة الشاسعة الَّتي تفصلنا عن العالَم المتقدِّم؟ ماذا ننتظر أو إلى ماذا نحتاج لنفيقَ من سُباتنا الَّذي تواصَلَ لعقودٍ طويلة من الزمن؟ إنَّه لأمْرٌ مُحيِّر وواقع مؤلِم، يعيشه عالَمنا العربي من جهل وتقوقع وتخلُّف عن الرَّكب الحضاري استعصى على عقول وأقلام المفكرين والعلماء الَّذين تناولوا هذا الملفَّ عَبْرَ أكثر من قرنٍ وأشبعوه نقاشًا وتحليلًا وقراءة وتوصيات ومرئيَّات وحلول؛ لكَيْ تُعيدَ له نشاطه وحيويَّته ومكانته في ميدان الرَّكب أو السَّبق الحضاري، ولكن يظهر أنَّ المعضلة أكبر وأعمق من مجرَّد تنظير استهلك آلاف الصفحات والكتب. يُعَدُّ هذا الكِتاب لـ»فلين كولمن»، من أثمنِ المؤلَّفات الَّتي تناولت موضوع «الذَّكاء الاصطناعي»، فقد عرضَ في عشرة فصول، لمراحل نُمو الاكتشافات البَشَريَّة والتقدُّم الَّذي شهدته مَسيرة الثورات العلميَّة وأبرز سِماتها وملامحها وتحوُّلاتها، ومستوى تفاعلنا معها وحجم التغيُّرات الَّتي أحدثته على سلوكنا وطبيعتنا ومعيشتنا وبرامجنا اليوميَّة وحياتنا بشكلٍ عامٍّ، ففي عصرنا ـ على سبيل المثال ـ «يقوم جوجل بمقدار كبير من «التفكير» عنَّا ونماثل عن غير إدراك ما بحثنا عَنْه بأنَّه جزء من ذاكرتنا الفعليَّة، هل استعرضت نتفليكس يومًا ما ولاحظتَ أنَّك اخترتَ فيلمًا بطولة نَفْس الممثِّل الَّذي كان في آخر فيلم شاهدته؟ هل تعتقد أنَّك اخترتَ الفيلم، أم أنَّ الفيلم اختارَك في الواقع؟ بالطَّبع، هذه ليستْ صدفةً. لقد تمَّ اختيار الفيلم لك مسبقًا، بناء على عاداتك في المشاهدة....»، وتحدَّث عن الصِّراع الدَّائر بَيْنَ العِلم والعادة في دَوْرة تستعيدها الثورات العلميَّة من جديد، فعِندما «يُحدث العِلم والتكنولوجيا ثورة في حياتنا، فالذَّاكرة والتقاليد والخرافات تؤطِّر ردَّة فِعلنا»، ورصد تسارع وتيرة الحركة العلميَّة وازدهار البحث وتضاعف الاكتشافات في القرون الأربعة الأخيرة، وكيف تقود الثورات العلميَّة المتتابعة إلى سقوط هياكل وبنى سياسيَّة واجتماعيَّة وثقافيَّة بعد أن تتحولَ باستمرارٍ إلى تقليديَّة لا تتناسب مع التقدُّم الحضاري والانفتاح الثقافي، فتُحدث الثورات العلميَّة تحوُّلات شاملة سياسيَّة واجتماعيَّة واقتصاديَّة في دَوْرة زمنيَّة مُحرِّكها الإنسان... «يتبع».

سعود بن علي الحارثي