السبت 12 أكتوبر 2024 م - 8 ربيع الثاني 1446 هـ
أخبار عاجلة

كمال البشرية بمولد خير البرية «2»

الأربعاء - 18 سبتمبر 2024 04:50 م
20

.. هاجر اليهودُ إلى مكة، والمدينة ينتظرون ولادةَ النبي الخاتم، أحمد (صلى الله عليه وسلم) الموجودة أوصافُه في التوراة، قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ) (الصَّف ـ 6)، قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية:(يعني: التوراة قد بشَّرَتْ بي، وأنا مصداقُ ما أخبرتْ عنه، وأنا مُبَشِّرٌ بمَنْ بعدي، وهو الرسول النبي، الأمي، العربي، المكي أحمد، فعيسى ـ عليه السلام ـ وهو خاتم أنبياء بني إسرائيل، قد قام في ملأٍ بني إسرائيل مبشرًا بمحمد، وهو أحمد، خاتم الأنبياء والمرسلين، الذي لا رسالة بعده، ولا نبوة).

ونَجْمُ أحمدَ هذا هو نجمٌ لامعٌ في السماء، له خصائصُ تختلفُ عن غيره من النجوم، وقد عَرَفَ به اليهودُ أن أحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ خاتمَ الأنبياء قد وُلِدَ، وروى ابن إسحاق عن حسانَ بنِ ثابت ـ رضي الله عنه ـ قال:(والله، إني لغلامٌ يفعةٌ (شَبَّ، ولم يبلغْ)، ابن سبع سنين، أو ثمانٍ، أعقِلُ كلَّ ما سمعتُ، إذ سمعتُ يهوديًّا يصرخ بأعلى صوته على أطمةً (يعني حِصْن) بيثربَ:(يا معشر يهود! حتى إذا اجتمعوا إليه، قالوا له: ويلك ما لك؟، قال: طلع الليلةَ نجمُ أحمدَ الذي وُلِدَ به) (رواه البيهقي، وصححه الألباني)، كما روى أبو نعيم، وحسنه الألباني عن أسامة بن زيد ـ رضي الله عنه ـ قال: قال زيد بن عمرو بن نفيل، قال لي حَبْرٌ من أحبار الشام:(قد خرج في بلدك نبيٌّ، أو هو خارجٌ، قد خرج نجمه، فارجعْ فصدقْه، واتَّبِعْه).

إذن.. فقد كانت مكة على موعد مع أمر عظيم سيظل يشرق بنوره على الكون كله إلى أن يرثَ اللهُ الأرض، ومَنْ عليها، إنه ميلاد النبي (صلى الله عليه وسلم) الذي كان نذيرًا بزوال الشرك، واندحار الظلم، ونشر التوحيد، وإشاعة العدل بين الناس، وعندما قرب شروق مولده ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ كانت له إرهاصاتٌ، وأحداثٌ فريدة، قد أكثر المؤلفون في ذكر تلك الإرهاصات، وهذه الحوادث، التي اقترنَتْ بميلاده ـ صلى الله عليه وسلم ـ والتي فيها الصحيح الثابت، والضعيف الذي لا يصح، قال الشيخ الألباني في كتابه (صحيح السيرة النبوية):(قد وردتْ بعض الروايات الواهية بلا إسناد تخص أحداثًا وقعت عند ميلاده ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا يثبت منها شيء، منها ارتجاس إيوان كسرى، وسقوط أربع عشرة شرفة من شرفاته، وخمود النيران التي كان يعبدها المجوس، وانهدام الكنائس حول بحيرة ساوة، بعد أن غاضت، وغير ذلك من الدلالات التي ليس فيها شيء ثابت).

وقال صفيُّ الرحمن في كتابه:(الرحيق المختوم):(رُوِيَ أن إرهاصات بالبعثة وقعت عند الميلاد، فسقطتْ أربع عشرة شرفةً من إيوان كسرى، وخمدت النار التي يعبدها المجوس، وانهدمت الكنائس حول بحيرة ساوة، بعد أن غاضت، روى ذلك الطبري، والبيهقي.. وغيرهما، وليس له إسنادٌ ثابتٌ، ولم يشهد له تاريخ تلك الأمم، مع قوة دَوَاعِي التسجيل(.

نعم، إن النبوات، والرسالات من أعظم النعم التي أكرم الله عز وجل بها الناس، وأفضل هذه الرسالات، وأعظمها، وأشملها هي رسالة نبينا محمد ـ صلى الله عليه، وسلم ـ ولذلك أحاطها الله بعنايته، وشملها برعايته، وجعل لها دلائلَ باهرة، وعلاماتٍ ظاهرة، قبل ولادته، وقبل بعثته، وبعدها ـ صلوات الله وسلامه عليه.

وهنا أدور حولَ تلك الآية في نهاية سورة التوبة مبيِّنا وَصْفَ الله تعالى لرسوله الكريم، وما نَعَتَهُ به، وما امتنَّ به على البشرية من مولده الكريم، ومبعثه العظيم، يقول الله تعالى:(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة ـ 128).

بدأت الآية بالقسم على منزلة، ومكانة، ومقام، وشأن الرسول الكريم، وكلمة (لقد)، واقعة في جواب القسم، الذي أداته اللام ، و(قد) حرف تحقيق، والله لا يُقْسِمُ إلا على عظيم، وهنا يُقسم على مقام، ومنزلة، وأوصاف الرسول الكريم، والفعل:(جاء) فيه مد متصل واجبٌ؛ كأنه يبيِّن لنا جهدَ الرسول الكريم، وتواصلَ عملِهِ، وسعيه لأخذ البشرية، وتوسيدها مكانَها اللائقَ بها، وبآدميتها، والفاعل هو الرسول الكريم، وقد جاء الفاعلُ متأخرًا وجوبًا؛ للتشويق من جانب، ولأهمية المجيءِ لهم، وتقديمهم من جانب آخر، ففيه عارضُ تركيبٍ هو التقديم؛ لبيان أهمية المجيءِ لهم، ولتشويقِ السامعِ بالجائي ـ عليه الصلاة والسلام ـ وتنكير: (رسول)؛ لبيان شمول رسالته، ولكونه قد جَمَعَ أخلاقيات البشر الكاملين، وزانها، وفاقَها، وكان على رأسها، وقمتها (صلى الله عليه وسلم).

د.جمال عبدالعزيز أحمد

 كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة - جمهورية مصر العربية