الجمعة 20 سبتمبر 2024 م - 16 ربيع الأول 1446 هـ
أخبار عاجلة

بين البدوي والحضري مسافات الريف الأخضر

بين البدوي والحضري مسافات الريف الأخضر
الثلاثاء - 17 سبتمبر 2024 02:48 م

أ.د. محمد الدعمي

20

لا تتباين شعوب دوَل الشَّرق الأوسط فيما بَيْنَها بقدر تعلُّق الأمْرِ بالفئات المُجتمعيَّة الأساس، هي :(1) الحضر و(2) البدو و(3) الرِّيفيُّون !

وكما يوحي عنوان كُلِّ فئة، فإنَّ الحضَر هُمْ سكَّان الحواضر (أي المُدُن) الَّذين يَعدُّون أنْفُسهم أعلى مرتبة من الرِّيفيِّين، درجة أو درجات، بسبب ما تُتيحه لَهُمُ المراكز الحضَريَّة من فرص الثَّقافة والتَّعليم والتَّربية، بل وحتَّى الدِّراسات الجامعيَّة العُليا. لذا، فإنَّهم يخصون سكَّان الرِّيف بنظرة تشوبُها بعض الدونيَّة، لبالغ الأسف. وتُرينا الأفلام المصريَّة هذا البون «الهائل» بَيْنَ سكَّان الأرياف (الأطيان الزراعيَّة) من ناحية، وسكَّان المُدُن، خصوصًا عِندما يزور المزارع الرِّيفي قريبه من سكَّان المدينة، إذ غالبًا ما يصوَّر وهو يحملُ معه هدايا ريفيَّة «لابن عمِّه» المَدَني أو المَديني (منتجات ريفيَّة كالبطِّ والخضار والفواكه)، كما لم يفُتِ الأفلام المصريَّة والسوريَّة واللبنانيَّة والعراقيَّة تصوير الارتباك والضَّياع الَّذي يشعُر به الرِّيفيون عِند نزولهم المُدُن المزدحمة كالقاهرة أو بغداد أو بيروت!

ومن ناحية ثانية، كما يحتفظ الرِّيفيون بنظرةٍ علويَّة قوامها الاحترام والتَّكريم بقدر تعلُّق الأمْرِ بالبدو الَّذين غالبًا ما يتساكنون مع سكَّان الأرياف في مواسم مُعيَّنة، بسبب طبيعة حياة البدو الرحَّل المتنقلة من مكان لآخر جريًا مع جِمالهم وراء الماء والكلأ، ناهيك عن حاجاتهم للتسوُّق من «المُدُن الرِّيفيَّة»، طالِبِينَ حاجاتهم الأساس من البضائع الَّتي لا تغنيهم عَنْها بُعرانهم ولا خرافهم ولا مواشيهم الأخرى.

وبسبب العصبيَّات الاجتماعيَّة يشترك الحضَر مع الرِّيفيِّين باحترام البدو؛ نظرًا لأنَّهم يَعدُّون البداوة أسلوبَ حياةٍ نقيًّا وأصيلًا مليئًا بالقِيَم الرجوليَّة الطيِّبة، الأمْرُ الَّذي يُفسِّر إرسال الرَّسول الكريم (صلَّى الله عَلَيْه وسلَّم) إلى البادية في صِباه ليشتدَّ عودُه وينشأَ نشأةً عربيَّة أصيلة خالصة، ولم تزَلْ بعض العوائل في العراق تُرسل أبناءها (من الذكور) إلى ما يُسمَّى بـ»العرب» أي البدو لذاتِ الأسباب أعلاه، بَيْنَما يتفاخر كُلٌّ من سكَّان المُدُن والأرياف في العالَم العربي بأُصولهم البدويَّة (من شمَّر أو زبيد) دلائلَ على الأصالة والمَنْبَت العربي الأصيل الَّذي يفخرون ويتفاخرون به!

إنَّ اعتزاز الحضَر والرِّيفيون بأُصولهم البدويَّة هو الَّذي يُفسِّر بقاء وتواصُل احتضان القِيَم والسُّلوكيَّات البدويَّة، الإيجابيَّة والسّلبيَّة مِنْها في كُلٍّ من المُدُن والقُرى الرِّيفيَّة، ومِنْها عادات الثَّأر والكرَم وغسْل العار، بل وحتَّى الغزو والسَّلب أحيانًا، لبالغِ الأسف!

أ.د. محمد الدعمي

كاتب وباحث أكاديمي عراقي