أنار الكون بميلاد سيد البشر وازدنت الحياة سعادة وإشراقًا بعدما كنت الدنيا في ظلام أشرق نور مضيء برسالته الشريفة، فميلاده هو خير وفضل وحب من الله للبشرية، حيث كان الناس في جاهلية عمياء حتى بزغ فجر جديد على الأمة أنار الله به القلوب واصلاح النفوس، قال الله تعالى:(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة ـ 128).
لقد كان ميلاد سيد البشر نورًا مشرقًا وفتحًا عظيمًا أشرق عهد جديد على الأمة، فتح الله قلوبًا مغلقة، وهدى الله قومًا من الغواية والضلالة، ومن الجهل إلى النور والعلم، فكان هذا السراج المنير الذي عمَّ الكون بضيائه وأشرقت شمس جديدة برسالته على البشرية، فكان خلقه القرآن الذي سطع في قلوب الناس، فأضاء ينشر الحب والود والوئام، وكانت سيرته العظيمة أصدق وأعظم الحديث، وقد خيّره العليم الخبير ـ سبحانه وتعالى ـ بين هذه الدنيا الفانية وبين ما عند الله، فاختار لقاء الله، فما أعظمك يا حبيبي يا رسول الله، يقول الله تعالى في محكم آياته:(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (آل عمران ـ 164).
إنّ الحديث ذو شجون عن سيرة خير البشر، فسيرته المحمدية يقف عندها كل مسلم يتدبر هذه السيرة العطرة التي ينهل منها كل مسلم بما تتسم من خصال عظيمة من هذه المدرسة الرائدة في مختلف جوانب الحياة المطمئنة في الدنيا والآخرة التي توجه للارتقاء بالعقول والنفوس في ضياء الكون لتفكر وتمعن والتدبر وتحرير النفوس من شهوات الدنيا الزائفة إلى مجتمع يسوده التعاون والمحبة والرحمة للجميع البشر والتعامل بين أفراد المجتمع بحسن المعاملة.
إن المتدبر في حياة سيد البشر وخاتم الأنبياء ـ عليه أفضل وأزكى التسليم ـ يجدها نبعًا فيّاضًا لا ينضب يحمل بين طياته أنواعًا شتى من الرحمة الإنسانية، وقد ميّزه الله سبحانه وتعالى وأكرمه غاية التكريم على جميع البشر، وكانت رسالته الخاتمة لجميع الأنبياء (عليهم السلام) التي مازالت تشرق نورًا إلى قيام الساعة، وقد أكرمه المولى ـ جلّت قدرته ـ غاية التكريم، قال تعالى:(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم ـ 4).
فكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) قدوة حسنة، وأخلاقه خير شاهد على تعامله مع كل فرد من أفراد الأمة وأسس من خلال دستور الأمة ومنبعها الفياض المتدفق في قلوب أمته (القرآن الكريم) أمة عظيمة مباركة وأقام حضارة شامخة البنيان بنيت ركازها على سمو الأخلاق الفاضلة، قال (عليه الصلاة والسلام):(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، وأخلاقه العظيمة التي عاشها في حياته مع أصحابه وأفراد أمته سوف تبقى شعارًا مدى الأزمان إلى قيام الساعة التي أبهرت الصحابة والتابعين والسلف الصالح والعلماء والمفكرين والأدباء، فكان قرآنًا يمشي على الأرض، نورًا وضياءً، فسعد كل من يعيش على هذه الأرض من خلال هذا السراج الوضاء الذي أبهج حياة ملؤها الحب والإيمان والاطمئنان، وكانت حياته منذ خلقه الله سبحانه وتعالى إيمانًا راسخ البنيان، عظيمة بعظمة هذا النبي المختار، وشاع صيته بين أفراد أمته بالصادق الأمين، مما عرف عنه من خلال الشواهد المباركة التي يمتاز به هذا النبي، ومهما أُتهم بالكذب والسحر أو الجنون، فهو معصوم من الجنون والسحر والكذب، وزكىّ الله قلبه فقال:(مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) (النجم ـ 11)، وزكى بصره فقال الله عزوجل:(مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى، لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) (النجم 17 ـ 18)، وزكّى عقله وقال:(مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌ يُوحَى) (النجم 2 ـ 4).
إعداد ـ مبارك بن عبدالله العامري
كاتب عماني