لم يَعُدْ أحَد من أصحاب الضَّمير، أو مَن تبقَّت لدَيْه ذرَّة من الإنسانيَّة، يَعْلمُ متى ستتوقَّف هذه الجرائم الصهيونيَّة؟ وكم مذبحة يحتاجها العالَم والمُجتمع الدّولي حتَّى يُحرِّكَ ساكنًا ويوقفَ حرب الإبادة الجماعيَّة الَّتي تجري على أرضِ فلسطين، والَّتي حوَّلتْ قِطاع غزَّة إلى ركامٍ وحطامٍ غير صالحٍ للحياةِ الإنسانيَّة، كَمْ عدد الضَّحايا الَّذي ينتظرُه العالَم بمؤسَّساته الأُمميَّة لِكَيْ يتَّخذَ موقفًا صارمًا تجاه هذا الكيان الصهيوني وجرائمه. لقَدْ كان من الواجب الأخلاقي أنْ تضعَ المجزرةُ الدَّمويَّة الَّتي ارتكبَها جيش الاحتلال بحقِّ المَدَنيِّين النَّازحين أمس، في منطقة المواصي غرب خان يونس، العالَم أجمع أمامَ مسؤوليَّاته لوقفِ جرائمِ الاحتلال بحقِّ أبناء فلسطين ومحاسبته على كُلِّ هذه الجرائم الَّتي ارتكبَها أمام مرأَى ومسمَع العالَم أجمع، ولكن ـ للأسف الشديد ـ لا حياةَ لِمَن تُنادي.
إنَّ هذه المجزرة تُدلِّل على مآرب حكومة الاحتلال الإباديَّة، والَّتي تمارس القتل، والإرهاب، والمجازر، والتَّجويع، والحرمان من أبسطِ مُقوِّمات الحياة، لِتَنفيذِ مُخطَّطاتها منذُ السَّابع من أكتوبر الماضي، وهي تأتي بعد سلسلةٍ من المجازر اقترفَها جيش الاحتلال باستخدام الأسلحة الأميركيَّة تكشفُ زَيْفَ ادِّعاءات الاحتلال حَوْلَ المناطقِ الآمِنة (الإنسانيَّة)، وتُعبِّرُ عن الطَّبيعة الفاشيَّة لمنظومةِ الاحتلال الاستعماريَّة الَّتي تجدُ في الإبادة الجماعيَّة وسيلةً لِتَطبيقِ مشاريعها التَّصفويَّة لحقوقِ الشَّعب الفلسطيني، الَّذي لم يرتكبْ أيَّ جُرمٍ سوى صمودِه في وَجْهِ المُحتلِّ، وعَزْمِه على عدمِ الرَّحيل من أرضِه ووطنه، والذَّودِ عن مُقدَّساته بكُلِّ بسالةٍ وشجاعة رغمَ الفارق الكبير في ميزان القوَّة، ما يُهدِّد الخططَ الشَّيطانيَّة الصَّهيونيَّة الَّتي تظلُّ عاجزةً أمامَ الصُّمود الفلسطيني مهما كان الثَّمَن.
تلك الجرائمُ الصهيونيَّة ستظلُّ تزدادُ ما دامَ العالَم صامتًا، فالعالَم اليوم مُطالَبٌ بالتَّحرُّك الفَوْري والجادِّ من أجْلِ حماية الفلسطينيِّين العُزَّل، ووقفِ عدوان الاحتلال المتواصلِ في قِطاع غزَّة والضفَّة الغربيَّة بما فيها القدس، ويجِبُ البحثُ عن آليَّةٍ لِمُحاصَرةِ دَولةِ الاحتلال الصهيوني، وأنْ يرتقيَ ذلك من مستوَى الشَّجبِ والإدانة إلى مستوَى الفعلِ والتَّأثير، عَبْرَ ملاحقةِ مُجرِمي الحربِ في دَولةِ الاحتلال، الَّتي تنتهكُ كافَّة الأعرافِ والمواثيقِ الدّوليَّة وجميع مبادئِ القانون الدّولي الإنساني، وتخالفُ جميع الاتفاقيَّات الَّتي تحترم حقوق الإنسان في السِّلم والحرب. فهي لا تزال تشنُّ هجماتها ضدَّ شَعبٍ أعْزَل غير مكترثةٍ بمبادئ وقواعد القانون الدّولي وقواعد القانون الدّولي الإنساني، مستخدِمةً جميع أنواع الأسلحة المُحرَّمة دوليًّا وتُمعنُ في عمليَّات استهداف المَدَنيِّين وتُدمِّر البنية الأساسيَّة وتمارس كافَّة أنواع الانتهاكات دُونَ خجَلٍ أو وَجَلٍ.
ولعلَّ استهدافَ كيان الاحتلال الصهيوني الممنهج لبعثاتِ ومؤسَّساتِ الأُمم المُتَّحدة العاملة في فلسطين، بالإضافة إلى تمزيقِ الميثاق من على منصَّة الأُمم المُتَّحدة، ومنع المبعوثين الأُمميِّين من الوصولِ إلى الأراضي المُحتلَّة، خير دليل على بلطجة هذا الكيان الفاشي، الَّذي غرَّه الصَّمْتُ الدّولي والخنوع والحماية الأميركيَّة، لِيظنَّ أنَّه فوق القانون أو الحساب. ومن هذا المنطلق، فالمُجتمع الدّولي مطالَبٌ بالقيامِ بواجبه الإنساني على أقلِّ تقدير؛ من أجْلِ وقفِ نزيف الدَّم والتَّجويع والتَّشريد للشَّعب الفلسطيني، الَّذي يستحقُّ أنْ يتطلَّعَ إلى مستقبلٍ أفضلَ يتحقَّق له فيه الأمن والحُريَّة والكرامة الإنسانيَّة، خصوصًا في ظلِّ تصريحات الأمين العامِّ للأُمم المُتَّحدة أنطونيو جوتيريش، الَّتي أكَّد فيها أنَّ الدَّمارَ والموتَ في قِطاع غزَّة هو أسوأُ ما شاهدَه طيلةَ ولايتِه بمنصبِه الحالي الَّذي توَلَّاه عام 2017.