منذُ وُجِدَ القلمُ والكِتابةُ متنفَّسُ الروح.. فكُلُّ كلمةٍ كُتبت ستجدُ لها قارئًا يهيمُ بها وتكُونُ له قنديلًا.. اكتُبوا فلن تضيعَ الكلمات الَّتي تُكتب.. ألَمْ تتذكروا ذلك الزَّمان كان الحصول على كِتاب واقتناؤه رفاهيَّة لا ينعمُ بها إلَّا كُلُّ ذي حظٍّ عظيم.
قَبل عدَّة أيَّام أنعمَ الله عليَّ بهديَّة من الكُتب.. كانتْ من المُؤلِّف والباحِث والمُؤرِّخ الأستاذ علي بن أحمد محاش الشحري.. أعدُّه أنا مؤرِّخًا من المُؤرِّخينَ العُظماء والقلائل في هذا الزَّمن في عُمان، وبالأخصِّ في محافظة ظفار. أهداني كِتابَيْنِ كانا من مُؤلَّفاته وأبحاثه، وكانا بالنِّسبة لي أغلى من كنوز الذَّهب.. وما الذَّهب مقارنةً بهذه الحروف الَّتي خُطَّت من نور..؟ لم أكُنْ أقرؤها فقط، بل كنتُ ألْتَهمُ الكُتب والكلمات.. كِتابٌ يتكلم عن ظفار (كِتاباتها ونقوشها)، وكتاب آخر يتكلم عن (لُغة عاد) ما شدَّ انتباهي حقيقةً هو كِتاب لُغة عاد الَّذي سوف أتكلَّمُ عَنْه.
بداية في هذه القراءة النَّقديَّة أستأذنكم أيُّها القُرَّاء الكرام.. سأذكُر وأتكلَّمُ عن بعضٍ من مُؤرِّخينا وباحثينا العُمانيِّين العُظماء، الَّذين ظلَمْناهم بأيدِينا، وفي مُقدِّمتهم الكاتب والباحث الأستاذ علي بن أحمد محاش الشحري.. سأمدحُ هذا الرَّجُل العظيم الثَّري ببُحوثِه ومُؤلَّفاته وبإنجازاته.. ولِتعْلَمُوا أيُّها القُرَّاء مَن مدحَ شخصًا فإنَّما مدحَ مواهبَ الله عِنده.. فالفضلُ لِمَن منَحَه لا لِمَن مدَحَه.. أمدحُه بسببِ أبحاثِه وأفعالِه الوطنيَّة المُخلِصة تجاه البلاد، وبسببِ احترامِه وتواضُعِه للنَّاس.. أعدُّه ثروةً وطنيَّة يجِبُ الحفاظُ عَلَيْها ودعْمُه بأقلّ تقدير من قِبل الدَّولة. وأظنُّ أنَّ أبسطَ ما يُمكِننا فعلُه أيضًا هو إعادة إحياء ذكراه إلى السَّاحة الثَّقافيَّة، رغمَ أنَّه على قَيدِ الحياة (ربّنا يطوّل في عمره) ومعرفة إنجازاته وإنصافه أمام البلاد وأمام أنْفُسِنا وأولادِنا.
أمَّا عن محتوَى هذا الكِتاب فيقول الأستاذ والباحث علي بن أحمد الشحري في كِتابه «لُغة عاد» بأنَّ ظفارَ أرضٌ لبعضِ الأنبياء والرُّسُل حسب كُلِّ التَّحليل والكِتابات، وبأنَّها الأحقافُ وأرضُ قوم عاد.
إضافةً إلى ذلك، فمحتوَى هذا الكِتاب ـ كما رأيتُه أنا ـ هو مزيجٌ عجيب من المعلومات المفهومة وغير المفهومة بالنِّسبة لي، وخصوصًا الفصل الثَّاني.. هو تكلَّم عن الأبجديَّات وحروف الكِتابات والرُّسوم المنقوشة بالجدران في ظفار.. حقيقةً لم أفهَمْ تلك الكِتابات، ولم أكُنْ أتوقَّع عظَمة هذا الأستاذ (علي الشحري) أن يخطَّ ويكتُبَ تلك الكِتابات والنُّقوش على هذا المستوَى الكبير من الإبداع.. ذكَّرني هذا الكِتاب بكِتاب الغزالي أو شمس المعارف للشَّعوذة وتحضير الجِنِّ، وكيفيَّة فكِّ رموزها بالطَّلاسم الَّتي يَصِفُها لَكُمُ الأستاذ علي بن أحمد الشحري في كِتابه.. كِتابٌ قيِّم، وعملٌ عظيم وجبَّار.
دَعُونا نتكلَّمْ ونرجعْ للتَّاريخ قليلًا.. لم يكُنْ تاريخُنا يومًا يفتقرُ إلى العِلم والعُلماء، وعصور الظَّلام الَّتي تحدَّثتْ عَنْها أوروبا، كانت عصورُنا هي عصورَ النُّور والمعرفة على الحضارة الإسلاميَّة. ففي الوقتِ الَّذي عانَتْ فيه أوروبا من النِّزاعات الداخليَّة والصِّراعات كانتِ الحضارات العربيَّة الإسلاميَّة تَبنِي المكتبات وتُؤلِّف المُؤلَّفات الطبيَّة والعلميَّة والهندسيَّة الَّتي سرقَها الغربُ لاحقًا أو أكَلَتْها نيران الحقدِ والكُرْه ضدَّهم.. «يتبع».
محمد الكندي
كاتب عماني