الجمعة 20 سبتمبر 2024 م - 16 ربيع الأول 1446 هـ
أخبار عاجلة

أوراق الخريف : الصين وإفريقيا .. طريق الإصلاح والتعاون المستدام

أوراق الخريف : الصين وإفريقيا .. طريق الإصلاح والتعاون المستدام
الثلاثاء - 10 سبتمبر 2024 04:16 م

د. أحمد بن سالم باتميرا

30

بعنوان «العمل معًا لدفع التَّحديث وبناء مُجتمع صيني إفريقي رفيع المستوى ذي مستقبل مشترك للبَشَريَّة»، عُقد في العاصمة الصينيَّة (بكين) المنتدى الصيني الإفريقي للتَّعاون الَّذي يُعَدُّ حدَثًا سياسيًّا مُهمًّا للصين وإفريقيا الواعدة الَّتي أصبحت تحت أنظار روسيا والصين.

فتاريخ العلاقات بَيْنَ الصين وإفريقيا يَسير في طريق الشَّراكة والتَّعاون المستدام وفق رؤية صينيَّة واضحة واتِّفاق صريح مع الحكومات الإفريقيَّة لِتَصحيحِ المسار ومناهضة الإمبرياليَّة والاستعمار وفتحِ الأسواق للصين للدُّخولِ بقوَّة للقارَّة، خصوصًا وأنَّ العلاقات بَيْنَ الجانبَيْنِ تنمو وتزدهر بقوَّة منذُ بدءِ العلاقات في مؤتمر باندونج عام 1955 عِندما تصافَح الزعماء الصينيون والأفارقة لأوَّل مرَّة إيذانًا ببدءِ مرحلةٍ جديدة من التَّعاون لكلا الجانبَيْنِ.

وكُلُّنا يَعْلمُ أنَّه في عام 1956، أقامت جمهوريَّة مصر العربيَّة العلاقات الدبلوماسيَّة مع الصين كأوَّل دَولة إفريقيَّة. ومنذُ ذلك الحين، بدأتِ الدوَل الإفريقيَّة والصين بفتحِ سفارات وقنصليَّات معلِنةً مرحلةً جديدة من التَّعاون الوثيق المَبنيِّ على الشفافيَّة والمصداقيَّة بَيْنَ الصين والقارَّة السَّمراء. واليوم، نجدُ الشَّركات الصينيَّة ومنتجاتها أصبحتْ متاحةً في الأسواق الإفريقيَّة والعربيَّة ممَّا زادَ في توثيق العلاقات بَيْنَهما في مجالاتٍ عديدة مِنْها الاستثمار والتِّجارة الَّتي أصبحت شريانًا مُهمًّا وممتدًّا من بكين مرورًا بالخرطوم إلى الرباط بشكلٍ قوي وملموس للعالَم.

فالصين دَولة كُبرى.. وفي القرن الحالي، وقَّعت (52) دَولةً إفريقيَّة ومفوضيَّة الاتِّحاد الإفريقي وثائق تعاون بشأن البناء المشترَك لـ»الحزام والطريق» مع الحكومة الصينيَّة الَّتي بدأت رؤيتها لاستعادة مكانتها المعهودة لطريق الحرير. وتُعَدُّ إفريقيا أوَّل قارَّة تُرحِّب وتَدعَم مبادرات التَّنمية العالَميَّة، وقدِ انضمَّت (33) دَولةً إلى مجموعة أصدقاء المبادرة، وهو ما يُمثِّل أكثر من (40%) مِنْهم، وهي البداية الحقيقيَّة للشَّراكة بَيْنَ الصين ودوَل العالَم لبناءِ عالَم مستقرٍّ وآمِنٍ من كافَّة النَّواحي.

وبالأمس وخلال المنتدى، عُقدت عدَّة اجتماعات مُهِمَّة بَيْنَ الصين والدوَل الإفريقيَّة لمناقشةِ خريطة طريق لإفريقيا الجديدة دُونَ استعمارٍ واستغلال، بل دَعْم إفريقيا بكافَّة المشاريع الَّتي ترغبُ في تحقيقها مِثل التَّصنيع والتَّحديث الزِّراعي والأمْنِ والغذاء مع زيادة الثِّقة السياسيَّة المُتبادَلة من خلال تنسيق المواقف والسياسات للتَّوصُّل إلى التَّوافقات تجاه القضايا الإقليميَّة والتَّحدِّيات العالَميَّة، ودعمِ الدوَل النَّامية في إفريقيا لِتَعتمدَ على نَفْسِها والإعلان عن إجراءات وتدابير جديدة للتَّعاون مع القارَّة السَّمراء الَّتي تُعَدُّ سُوقًا كبيرًا للمنتَجات الصينيَّة والعالَميَّة.

فالقارَّة السَّمراء تُعَدُّ منطقةً واعدة للاستثمار في إطار الحزام والطَّريق، وأنَّ اهتمام الصين بهذه القارَّة واقعي لِتَنفيذِ مبادرات تجاريَّة واستثماريَّة فيها. واليوم يسعَى الجانبانِ الصيني والإفريقي إلى تحقيقِ التَّنمية والشَّراكة الحقيقيَّة بَيْنَهما، وكِتابة فصلٍ جديد من العلاقات المشتركة الواقعيَّة بَيْنَهما وفق مبدأ «لا ضرر ولا ضرار».

فالقمَّة الرَّابعة للتَّعاون الصيني الإفريقي أو منتدى (فوكاك)، بحضورِ الرئيس الصيني شي جين بينج ورؤساء دوَل وحكومات (54) دَولةً إفريقيَّة، فضلًا عن رئيس مفوضيَّة الاتِّحاد الإفريقي، والأمين العامِّ للأُمم المُتَّحدة، خُصِّصت لتعزيزِ العلاقات الثنائيَّة وضخِّ مزيدٍ من الزَّخم والطَّاقة الإيجابيَّة في العلاقات الصينيَّة الإفريقيَّة في الفترة القادمة، فالأرقام والحقائق هي المؤشِّر الأساسي في حجمِ العلاقات بَيْنَ الصين وإفريقيا والَّتي شهدتْ توسُّعًا في حجمِ ونَوْعيَّة التِّجارة بَيْنَهما نَحْوَ حوالي (282) مليار دولار أميركي.

وحقيقة القارَّة الإفريقيَّة ستستفيد من التَّجربة الصينيَّة الفريدة والمتميِّزة في عدَّة جوانب مِنْها القضاء على الفقر، حيث نفَّذت الصين الكثير من المشاريع الزِّراعيَّة والصِّناعيَّة والاستزراع السَّمكي وغيرها من المشاريع الَّتي لا تُعَدُّ ولا تُحصَى للقارَّة السَّمراء. فالمنتدى الَّذي احتفلَ هذه السَّنة بالذِّكرَى الـ(24) لتأسيسِه، باعتباره «شراكة متميِّزة» بَيْنَ الصين والقارَّة الإفريقيَّة، قائمة على المبادئ الأساسيَّة للتَّضامن، والتَّعاون، واحترام سيادة الدوَل ووحدتها، يُعَدُّ فرصةً سانحة لكلا الطرفيْنِ من أجْلِ تعميق شراكة تعُودُ لأكثر من عَقديْنِ من الزمان. ومَن يدَّعي أنَّ الصين تقوم بالاستغلال المفرط للموارد الطبيعيَّة في إفريقيا لمصلحتها، فهذا ليس من الحقيقة في شيء، فالصين تعمل على تنميةٍ مستدامة حقيقيَّة للقارَّة الإفريقيَّة من خلال القروض والمشاريع الَّتي تُقدِّمها لَهُم.. فطريق الحرير البَرِّي وطريق التَّوابل البحري شريانانِ أساسيَّان للتَّواصُل بَيْنَ الحضارتيْنِ الشرقيَّة والغربيَّة، وهُمَا طريقٌ للتَّنمية المتكاملة والمساهمة بقوَّة في مَسيرة التَّحديث العالَميَّة الَّتي طرأت بعد أحداث السَّابع من أكتوبر والعدوان على غزَّة... واليوم نرَى أنَّ مسار الإصلاح بَيْنَ الصين والقارَّة السَّمراء يَسير في الطَّريق الصَّحيح وليس طريق الاستغلال كما يدَّعي الآخرون.. والله من وراء القصد.

د. أحمد بن سالم باتميرا