دارَ الجدلُ السَّاخن حَوْلَ تعديل «قانون الأحوال الشَّخصيَّة» (لسَنَة ١٩٥٨) دورانًا عجيبًا عَبْرَ وسائل الإعلام العراقيَّة والعربيَّة (أحيانًا) ليستقرَّ على عددٍ من المُسلَّمات الَّتي تستحقُّ الرَّصد والتَّحليل، ومِنْها: إنَّ الصِّراع المحتدم الآن بَيْنَ البداوة والحضارة (المدنيَّة)، مرموز له في الصدام بَيْنَ الصحراء والماء إنَّما ان وما زال أهمَّ الصِّراعات الَّتي تشغلُ العقل العربي؛ ذلك أنَّ المُدنَ العربيَّة لم تزَلْ مُجمَّعات سكنيَّة عطشَى صحراويَّة/نصف بدويَّة بدليلِ سيادة قوانين الصحراء والبداوة في المدينة العربيَّة، وبِغَضِّ النَّظر عن الأموال والجهود الَّتي خصَّصها أولو الأمْرِ لإنقاذِ المدينة العربيَّة من غزواتِ ألْسِنَة وكُثبان الرِّمال المتحرِّكة الَّتي تُطلقها الصحارى لِتغزوَ أحياء المدينة العربيَّة.
إنَّ تفوُّقَ قِيَم البداوة على قِيَم المَدَنيَّة في عالَمِنا العربي بائن بلا أدْنَى شك، ليس في التصحُّر الفيزياوي الَّذي لم ينحسرِ برغم «الأحزمة الخضراء» الَّتي حاولتِ القياداتُ العربيَّة غرسَها حَوْلَ مُدُننا بَيْنَ الموصل شمالًا وعدن ونزوى جنوبًا، وبَيْنَ بغداد شرقًا و»كازابلانكا» غربًا. هذه الجهود والأموال لم تفلحْ في صدِّ غزوات الرِّمال الصحراويَّة الَّتي تلتهمُ المُدُن العربيَّة لبالغِ الأسف، كما أنَّها لم تفلحْ في خلق الإنسان المديني العربي برغم ما يحملُه من السَّاعات السويسريَّة الثَّمينة وما يمتطيه من السيَّارات الفاخرة الَّتي يمتطيها بَيْنَ شوارع الحواضر العربيَّة:
لقَدْ بقيَتِ المدينةُ العربيَّة أشْبَه ما تكُونُ بمعسكرٍ صحراوي تَسودُه قِيَم البداوة، وليس قِيَم المَدَنيَّة الحديثة: حيث ممارسات البداوة الجاهليَّة، من الثأر وغسل العار والاقتران بالقاصرات من البنات، ناهيك عن ذلك الكَمّ الهائل من تعابير دُونيَّة للمرأة (قَبل وبعدَ الزّواج) لبالغ الأسف!
أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي