الأربعاء 15 يناير 2025 م - 15 رجب 1446 هـ
أخبار عاجلة

كيف يمكننا إبطاء الشيخوخة والتعايش معها؟!

كيف يمكننا إبطاء الشيخوخة والتعايش معها؟!
الاثنين - 09 سبتمبر 2024 05:03 م

محمد عبد الصادق

20

مع مرورِ الزَّمنِ وتطوُّر البَشَريَّة، أصبحَ معدَّل العمر مقياسًا لِتَقدُّم الدوَل أو تَخلُّفها، فنجد دوَلًا مِثل اليابان وسنغافورة والسويد يتعدَّى متوسِّط العمر لدَيْها (85) عامًا، وهو مؤشِّر لِتَطوُّرها على مقياس التَّنمية البَشَريَّة، حيثُ لدَيْها أنظمة رعاية صحيَّة متطوِّرة، وأقلُّ معدَّل لوَفَيَات الأطفال، كما أنَّ ارتفاعَ مستوَى الدَّخل جنَّبها سُوء التَّغذية، كما لُوحظَ أنَّ العيشة فوق قِمم الجبال تُطيل العمر، لذلك تحتلُّ لبنان صدارة الدوَل العربيَّة في معدَّل العمر، كما أنَّ حِمية البحر المتوسِّط الَّتي تعتمد على زيتِ الزَّيتون والزَّعتر البَرِّي والمأكولات البحريَّة وضعت إيطاليا وقبرص واليونان في صدارة الدوَل المعمّرة.

هناك تباينٌ في العمر بَيْنَ الرَّجُل والمرأة، حيث يزيد متوسط سنِّ المرأة عن الرَّجُل بمقدار خمس سنوات في مُعْظم الدوَل، ويرجعه العُلماء لقدرة المرأة على التكيُّف مع الحياة بعد رحيل زوجها، وقدرتها على التَّأثير في أولادها وأحفادها أكثر من الرَّجُل؛ الَّذي تتدهوَر لدَيْه المهارات الاجتماعيَّة والذهنيَّة وتَسُوء حالتُه النَّفْسيَّة بعد رحيل زوجته، ويكُونُ أكثر احتياجًا للارتباطِ بزوجةٍ ثانية، قد تكُونُ سببًا في التَّعجيل بمغادرته الحياة، كما أنَّ حوادثَ الطُّرق والجريمة والحروب، كُلّها عوامل تقصف عمر الرِّجال وتُطيل عمر النِّساء.

هناك أبحاثٌ دؤوبة؛ للتَّوصُّل لأدويةٍ تُطيل فترة الشَّباب وتكافح الشَّيخوخة، ولعلَّ أشْهَرَها كان عقار»هـ3» الَّذي اخترعَتْه الطَّبيبة الرومانيَّة (أنا أصلان) في خمسينيات القرن الماضي، والَّذي صاحبَتْه حمْلة دعائيَّة شاركَ فيها الدِّيكتاتور الروماني نيكولاي شاوشيسكو، ولكنْ سرعانَ ما تبَيَّنَ محدوديَّة تأثير هذا العقار الَّذي لا يتعدَّى كونه مكمِّلًا غذائيًّا، وفي التسعينيَّات ظهر الميلاتونين ومضادَّات الأكسدة.

وبالصدفة اخترع الأميركان «الفياجرا»، أثناء إجراء تجارب على عقار يعمل على توسيع الشَّرايين والأوعية الدمويَّة، ولكن التَّوسيع اتَّجه إلى أسفل، ولكن تظل هناك مخاطر لاستخدام كبار السِّن للفياجرا بِدُونِ استشارة الطَّبيب، فالأمْرُ يُشبِه تركيب موتور بقوَّة (3) آلاف حصان في سيَّارة متهالكة، فالشَّرايين المُتصلِّبة والضَّغط العالي وعضلة القَلْبِ الضَّعيفة، لا تحتملُ تدفُّق الدَّم واندفاعه الَّذي يُحدِثه تناول قرص الفياجرا على كبار السِّن، والَّذي قد يؤدِّي لعواقبَ صحيَّة خطيرة في حال استخدامه بطريقةٍ عشوائيَّة.

من خلال تجربتي المتواضعة، وجدتُ أنَّ نوعيَّة الطَّعام والحركة أحسنُ علاجٍ للشَّيخوخة، فمع تقدُّم العمر لا بُدَّ أن يخفض الإنسان السّعرات الحراريَّة الَّتي يحتويها طعامه، ويُقلِّلَ من تناوُلِ اللُّحوم الحمراء ويبتعدَ عن الدُّهون والمقليَّات والحلْوَيَات، ويُكثرَ من الخضراوات والفاكهة، ولو أمكنَ تكُونُ آخر وجبة تدخل جوفه قَبل السَّاعة الثَّامنة مساء، وممارسة الرِّياضة تُقاوم الإصابة بالسكَّري وتُقلِّل الكوليسترول، وتضبط ضغط الدَّم، مع الانتظام في تناوُل الدَّواء إذا كنتُ مُصابًا بأحَدِ الأمراض السَّابقة، والمَشي والحركة أمْرٌ ضروري لِتَجنُّب الإصابة بتيبُّس المفاصل وزيادة خشونتها، وإذا كان هناك إمكانيَّة للاشتراك في»الجيم» فهذا أفضل؛ للحفاظِ على الكتلةِ العضليَّة والتَّخلُّص من الكرش والوزن الزَّائد.

الحالة النَّفْسيَّة تفرقُ مع كبار السِّن، يجِبُ الابتعادُ بقدرِ الإمكان عن الهُموم، لا تشتبِكْ في مشاكلَ اجتماعيَّة يُمكِن تجنُّبُها، حاوِلْ أن تعيشَ لإسعادِ نَفْسِك، كما قضَيْتَ عمركَ في إسعادِ مَن حَوْلَك. طبعًا الحالة المادِّيَّة تؤدِّي دَوْرًا أساسيًّا في مرحلةِ الشَّيخوخة، ولكنْ مهما كان وضعُك المادِّي حاوِلْ أن تستمتعَ بالحياة، ابحَثْ عن أصدقائك القُدامَى، حاولوا أن تطلعوا رحلات بعيدًا عن «دوشة» الأولاد والأحفاد، اجترّوا ذكريات الصِّبا والشَّباب، اضْحَكُوا من قلوبكم، تخلَّصُوا من تحفُّظات الشّيب والشَّعَر الأبيض، انطلقوا ولا تخجلوا من ملامحِكم ولا أجسادكم، فما دام هناك نَفَسٌ يخرج، من حقِّكَ موطئ قَدَمٍ على هذه الأرض الَّتي تتَّسع لكافَّة الأعمار، فهي ليسَتْ حكرًا على الشَّباب.

محمد عبد الصادق

كاتب صحفي مصري