الأربعاء 15 يناير 2025 م - 15 رجب 1446 هـ
أخبار عاجلة

تعليم «الماكيت» وغرفة الحاسوب المهجورة

تعليم «الماكيت» وغرفة الحاسوب المهجورة
إبراهيم بدوي
الاثنين - 09 سبتمبر 2024 04:58 م

إبراهيم بدوي

10

يحتاج الوطن العربي في مُعْظم بُلدانه إلى ما هو أكبر من عمليَّة تعليميَّة تُواكب المستقبل، فبرغم أنَّ العديد من الدوَل العربيَّة تبذل جهودًا كبيرة في تطوير منظومتها التَّعليميَّة، هناك دوَل تبذل الغالي والنَّفيس في سبيل ذلك؛ إيمانًا مِنْها بأنَّ التَّعليم هو بوَّابة الانضمام للدوَل الكبرى، وأنَّه جوهر الفارق بَيْنَ الدوَل المتقدِّمة وغيرها من دوَل المعمورة. إلَّا أنَّ المُنتظرَ من وراء تلك الجهود لا يزال بعيدًا عن الأهداف والطُّموحات؛ وذلك لغيابِ فِكر وفلسفة تعليميَّة، ترشدُ الخطط والبرامج، لِتخرجَ منتَجًا يُلبِّي الاحتياجات الحقيقيَّة الَّتي نسعَى إِلَيْها من وراء بناء منظومة تعليميَّة تتَّسم بالحداثة، تسعَى في الأساس، قَبل تعليم الطَّالب المناهج، إلى توسيع آفاقه، ما يجعله قادرًا على التَّطوير الذَّاتي المستمر.

للأسف لا تزال منظومتنا التَّعليميَّة ترزح تحت وطأة المنهج التَّلقيني، الَّذي أثبتَتِ التَّجارب الدّوليَّة أنَّه يخلق مُجتمعًا متعلِّمًا، لكنَّه أُمِّيُّ الثَّقافة، لا تفرز فيه المنظومة التَّعليميَّة سِمات الابتكار، ولا تتَّسع في المدارك بمخيّلة تنظر للمستقبل بدلًا من الانغماس في عوائق الحاضر، وأزمات الماضي، مخيّلة تعتمد على المنهج النَّقدي الرَّافض للمُسلَّمات الَّتي توارثناها. فالسَّعيُ نَحْوَ المستقبل لا يحتاج ـ كما نرَى جميعًا ـ إلى جهودٍ لتعليمِ الحاسب الآلي، ولا حتَّى تعلُّم التَّواصُل مع الذَّكاء الصناعي، لكنَّه يحتاج لكيفيَّة ترويض الحاسوب، وكيفيَّة ترويض الذَّكاء الاصطناعي، فنحن وإن كانت منظومتنا التَّعليميَّة (المُتطوِّرة) تسعَى للتَّعلُّم، فهناك منظومات تسبقنا نَحْوَ إدارة ما نتعلَّمُه وتعملُ بشكلٍ متواصلٍ نَحْوَ تطويره.

إنَّ ما نشهده من محاولات تطوير للتَّعليم في منطقتنا لا يزال بعيدًا كُلَّ البُعد عن الغايات الَّتي ننشدها؛ لأنَّه لا يعتمد على فلسفة تعليميَّة تسعى إلى تنشيطِ العقل وتحريرِه من القوالب الَّتي عفا عَلَيْها الزَّمن، والبدء بتعليم ينمِّي مخيّلة الطَّالب، ويسعَى إلى التَّعرُّف في سنواته الأولى على إمكانات الطَّالب، وما هي التَّخصُّصات الَّتي يمتلك تلابيبها، بالإضافة إلى تعريفه، منذُ نعومة أظافره، بقواعد البحث العلمي، وإعطائه المساحة للوصولِ إلى النَّتائج عَبْرَ أدوات العصر الأحدث، وعدم الاكتفاء باختبار يُحدِّد مستقبل إنسان طوال حياته، فهذا لن يؤثِّرَ على المستقبل الفردي للشُّعوب، لكنَّه له أثَر سلبي كبير في حرمان الأوطان من مواهب حقيقيَّة أضيعَتْ بفعلِ العقم الإبداعي في إدارة المنظومة التَّعليميَّة.

ولعلَّ ما نشهده من نُظُم تعليميَّة في وطننا العربي لا يعدو أن يكُونَ ماكيت (نموذج) توضيحيًّا للتَّعليم المُتطوِّر، فهو أشْبَه بغُرفة الحاسوب (الكمبيوتر) الَّتي كانت في مدرستي الإعداديَّة، والَّتي كان من الكبائر الاقتراب مِنْها، فنحن نصرفُ الأموال، ونعلنُ في إعلامنا تطوير منظومتنا التَّعليميَّة لِتواكبَ العصر، ونبحثُ عن هذا التَّطوير لا نجده إلَّا في إضافة عام دراسي أو إلغائه من التَّعليم الأساسي، أو إضافة تلك المواد أو إلغائها، وكأنَّنا نسعَى إلى أن نخترعَ العجَلة، الَّتي نَسينا أنَّها اختُرعت فعلًا، وهناك نماذج نستطيع أن نقتبسَها على أسوأ تقدير إذا فقدنا الشَّغف التَّطويري، وماتَ الإبداع لدَيْنا، لكن قَبل أن نقتبسَها عَلَيْنا معرفة كُلِّ ما يَدُور فيها، والتَّوصُّل إلى نتائج كُلِّ خطوةٍ من خطوات التَّعليم.

إبراهيم بدوي