لا يزال هدف القضاء على الأُمِّيَّة أحَد أهمِّ الأهداف الَّتي يسعى إِلَيْها العالَم أجمع في عصرنا الحديث، فقد أضحى مؤشِّر مَحْوِ الأُمِّيَّة أحَد أهداف التَّنمية المستدامة، لذا تحرص كافَّة بُلدان المعمورة على بذْلِ المزيد من الجهد المتواصل؛ بهدف ابتكار أساليب غير تقليديَّة قادرة على المُواجهة الشَّاملة للأُمِّيَّة، خصوصًا وأنَّ الأُمِّيَّة في عصرنا الحديث لم تَعُدْ قاصرةً على تعلُّم مهارات اللُّغة الأُمِّ، كما كان في الماضي، لكنَّها تحوَّلتْ إلى ما هو أكثر من ذلك، حيث يتمُّ تعلُّم مهارات الاتِّصال والتَّواصُل، ومهارات الحاسوب وفَهْم لُغاتٍ أخرى؛ لِيتمكَّنَ الفرد من مجاراة الانفجار المعرفي والتَّطوُّر الهائل والمُتسارع في التكنولوجيا، وانعكاس ذلك على فرص العمل المستحدثة.
إنَّ الأُمِّيَّة آفةٌ اجتماعيَّة، لا يتحمَّل آثارها الضَّارَّة الشَّخص الأُميُّ وحده، لكن يتأثَّر بِها محيطُه الاجتماعي، لِتصلَ تلك الآثار إلى المُجتمع بأسْرِه، حيث يفتقد الأُمِّيُّون مفاهيمَ رئيسةً أبرزها الابتكار والإبداع. ومن هُنَا كانت أهميَّة القضاء على الأُمِّيَّة الَّتي تُعطِّل جهود الثَّروة البَشَريَّة المُتخلِّفة عن بوَّابة التَّعليم الَّذين لم تتسنَّ لَهُم فرصة الدِّراسة، وهو ما أيقَنَتْ أهميَّته بُلدان العالَم المُتقدِّم، فمضَتْ تهتمُّ بهذه الشَّرائح بغيةَ إلحاقِها بركبِ المُتعلِّمين ممَّا أنتجَ لاحقًا فرصًا أكثر للتَّقدُّم المعرفي والتكنولوجي والازدهار الاقتصادي والاجتماعي، ولم تكتفِ مُعْظم دوَل العالَم بالقضاءِ على أُمِّيَّة القراءة والكتابة، بل ذهبَتْ لأبعدَ من ذلك، واهتمَّتْ بتثقيفِ كافَّة فئات المُجتمع نظرًا لوجودِ أعدادٍ غفيرة ممَّن أكملوا تعليمهم حتَّى نهاية المراحل الجامعيَّة ولكن يُعانُون من أُمِّيَّة ثقافيَّة تقضي على قدرة الخرِّيج على التَّفكير المستقلِّ، وأي منطقٍ لبناءِ موقفٍ من المُجتمع والعالَم، بل والكون الفسيح.
وتأتي مشاركة سلطنة عُمان أمس نظيراتها، من دوَل العالَم ومنظَّمة اليونسكو، الاحتفال باليوم العالَمي لِمَحْوِ الأُمِّيَّة الَّذي يُصادف الـ(8) من سبتمبر من كُلِّ عام، تأكيدًا على الجهود الَّتي تبذلها الحكومة العُمانيَّة للقضاءِ على الأُمِّيَّة، خصوصًا وأنَّ الاحتفال هذا العام يأتي عَبْرَ شعار(تعزيز التَّعليم مُتعدِّد اللُّغات: مَحْوُ الأُمِّيَّة من أجْلِ التَّفاهم المُتبادل، والسَّلام) حيثُ يتمُّ تسليطُ الضَّوء على أهميَّة التَّعليم مُتعدِّد اللُّغات في تعزيز التَّواصُل، والحوار بَيْنَ الثَّقافات المُختلفة، وبناء مُجتمعات أكثر سلميَّة، وتسامحًا؛ لِيكُونَ هذا اليوم انطلاقةً جديدة نَحْوَ تحقيقِ السَّلام والأمنِ والاستقرار في المنطقة والعالَم، وهي من أهمِّ أدواتِ تحقيق التَّنمية الشاَّملة المستدامة.
وتُعَدُّ هذه المناسبةُ فرصةً لإبرازِ المشاريع والبرامج الدَّاعمة الَّتي تقوم بها السَّلطنة في سبيلِ القضاءِ على الأُمِّيَّة منذُ العام الدِّراسي (1973/1974م) الَّذي خُصِّص لمكافحةِ الأُمِّيَّة، والقضاءِ عَلَيْها بجميع أشكالِها القرائيَّة، والكِتابيَّة، والثَّقافيَّة، والحضاريَّة، واستعراض جهود بناء البرامج التَّعليميَّة الخاصَّة ببعضِ فئات المُجتمع الَّتي لا تندرجُ تحتَ مظلَّة التَّعليم النِّظامي؛ لاختلافِ ظروفِهم التَّعليميَّة، مِثل الدَّارسين الكبار في صفوف مَحْوِ الأُمِّيَّة، وتعليم الكبار والدَّارسين في دُور الرِّعاية، والمؤسَّسات الإصلاحيَّة (السجون)، وذوي الإعاقة (التَّربية الخاصَّة)، حيث تؤكِّد سلطنةُ عُمان أنَّ الأُمِّيَّةَ مُشْكلةٌ اجتماعيَّة، وثقافيَّة مُركَّبة، لن يتمَّ القضاء عَلَيْها إلَّا بتضافُر جهودِ كافَّة القِطاعات الحكوميَّة، والخاصَّة، والأهليَّة؛ إيمانًا مِنْها بأهميَّة الإسراع في القضاء على الأُمِّيَّة بَيْنَ كافَّة مواطنيها، ساعيةً إلى التَّطوير والتَّحديث في مجالِ تعليم الكبار من خلال استكمال الدِّراسة لِمَن لدَيْهمُ الرَّغبة في مواصلةِ تعليمِهم إلى الصُّفوف العُليا تحقيقًا لطموحاتهم.