الاثنين 09 سبتمبر 2024 م - 5 ربيع الأول 1446 هـ
أخبار عاجلة

كلام نقي من قلب تقي.. «نصائح»

الأربعاء - 04 سبتمبر 2024 05:22 م
10

أيها الأحباب.. ما أحوجنا هذه الأيام إلى من ينصحنا حق النصح، ويرشدنا حق الإرشاد، فيما ينفعنا ويصلحنا ويخرج منا الخير لنيل الفوز في الدارين، عملًا بما جاء في (صحيح البخاري 1/‏ 21):(عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ).

ومن أعجب ما قرأت في النصائح الصادقة هذا القصة الجميلة التي ذكرها صاحب (حياة الحيوان الكبرى 1/‏ 195) وإليكم هي:(قال الطرطوشي في سراج الملوك، وابن بلبان، والمقدسي في شرح الأسماء الحسنى، وغيرهم عن الفضل بن الربيع قال: حج الرشيد، فبينما أنا نائم ذات ليلة إذ سمعت قرع الباب فقلت: من هذا؟ قيل: أجب أمير المؤمنين، فخرجت مسرعًا فوجدت الرشيد، فقال: قد حاك في نفسي أمرٌ لا يخرجه إلا عالم، فانظر لي رجلًا اسأله عنه، فقلت: يا أمير المؤمنين، ههنا الفضيل بن عياض، قال: امضِ بنا إليه، فأتيناه فإذا هو قائمٌ يصلي، فقرعت الباب، فقال: من هذا؟ فقلت: أجب أمير المؤمنين، فقال: ما لي ولأمير المؤمنين؟ فقلت: سبحان الله أما تجب عليك طاعته؟ فقال: أو ليس قد روي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: «ليس لمؤمن أن يذل نفسه»، وفتح الباب فسبقت كف الرشيد إليه فقال: أواه ما ألينها من يد، إن نجت غدًا من عذاب الله! فقلت في نفسي ليكلمنه الليلة بكلام نقي من قلب تقي، فقال: جد لما جئنا له، قال: وفيم جئت حملت على نفسك، وجميع من معك حملوا عليك، حتى لو سألتهم عند انكشاف الغطاء عنك وعنهم، أن يحملوا عنك شقصًا من ذنب ما فعلوا، ولكان أشدهم حبًّا لك، أشدهم هربًا منك، ثم قال: إن عمر بن عبد العزيز، لما وليَّ الخلافة، دعا سالم بن عبد الله بن عمرو محمد بن كعب القرظي ورجاء بن حيوة، وقال لهم: إني قد ابتليت بهذا البلاء، فأشيروا عليَّ؟ فعد الخلافة بلاء وعددتها أنت وأصحابك نعمة، فقال له سالم بن عبد الله: إن أردت النجاة غدًا من عذاب الله، فصم عن الدنيا، وليكن إفطارك فيها على الموت، وقال له محمد بن كعب: إن أردت النجاة غدًا من عذاب الله، فليكن كبير المسلمين لك أبًا، وأوسطهم لك أخًا، وأصغرهم لك ولدًا، فبرَّ أباك، وارحم أخاك، وتحنن على ولدك، وقال له رجاء بن حيوة: إن أردت النجاة غدًا، من عذاب الله، فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك، واكره لهم ما تكره لنفسك، ثم متى شئت مت، وإني لأقول لك هذا، وإني لأخاف عليك أشد الخوف، يوم تزل الاقدام، فهل معك، يرحمك الله، مثل هؤلاء القوم، من يأمرك بمثل هذا؟ قال: فبكى هارون الرشيد بكاءً شديدًا حتى غشي عليه، ثم قال: زدني يرحمك الله، فقال: يا أمير المؤمنين، إن جدك العباس ـ رضي الله عنه ـ عم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جاءه، فقال: يا رسول الله أمرني على إمارة، فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم: «يا عباس يا عم النبي نفس تحييها خير من إمارة تحصيها إن الإمارة حسرة وندامة يوم القيامة فإن استطعت ألا تكون أميرا فافعل»، فبكى هارون بكاءً شديدًا، ثم قال: زدني يرحمك الله، فقال: يا حسن الوجه أنت الذي يسألك الله عزّ وجلّ يوم القيامة عن هذا الخلق، فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار فافعل، وإياك أن تصبح أو تمسي وفي قلبك غش لرعيتك، فقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم: «من أصبح لهم غاشًّا لم يرح رائحة الجنة»، فبكى هارون بكاءً شديدًا، ثم قال: أعليك دَين؟ قال: نعم دَين لربي يحاسبني عليه، فالويل لي إن سألني، والويل لي إن لم يلهمني حجتي، فقال: هارون إنما أعني دَين العباد، فقال: إن ربي لم يأمرني بهذا، وإنما أمرني أن أصدق وعده، وأطيع أمره، فقال له الرشيد: هذه ألف دينار، خذها فأنفقها على عيالك، وتقوَّ بها على عبادة ربك، فقال فضيل: سبحان الله أنا أدلك على النجاة وتكافئني بمثل هذا سلمّك الله! ثم صمت فلم يكلمنا، وقال الرشيد لفضيل بن عياض: يرحمك الله ما أزهدك! فقال: أنت أزهد مني لأني أزهد في الدنيا وأنت تزهد في الآخرة والدنيا فانية والآخرة باقية! فخرجنا من عنده، فقال لي الرشيد: إذا دللتني على رجل فدلّني على مثل هذا فإن هذا سيد المؤمنين اليوم.

محمود عدلي الشريف

 [email protected]