الأربعاء 15 يناير 2025 م - 15 رجب 1446 هـ
أخبار عاجلة

الحقائق التاريخية وراء ما عرف بـ«أقصر حرب فـي التاريخ» «2»

الثلاثاء - 03 سبتمبر 2024 07:59 م
30


بقلم ـ ناصر بن عبدالله الريامي:

مؤلف كتاب ـ «زنجبار: شخصيات وأحداث»:

أشرنا في الجزء الأول، من هذا الموضوع، إلى أن السَّيد خالد بن برغش بن سعيد، شعر بأنَّه الأحق في الجلوس على عرش زنجبار، بعد وفاة عمِّه السُّلطان علي بن سعيد في سنة 1893م، وشرع عندئذٍ في فرض نفسه على سُلطة الحماية البريطانية، لولا تدخُّلُ مستشاريه، وأهل الرأي.

أشرنا أيضًا إلى أن إحساس السَّيد خالد بأحقيتهِ بالعرش لم ينخمد في نفسِه، لا سيما وأنه وجد مَن ينشِّط ويُحفِّز لديه هذا الإحساس، والمتمثل في شخصيةِ السُّلطان حمد بن ثويني. فبعد أن كان السُّلطان، في وقتٍ سابقٍ، يهيئه للحكم بشكلٍ غيرِ مباشر، دأب في الأيامِ الأخيرةِ لسلطنتِه على تحريضِه على التمرُّد على سُلطة الحماية، وفرض النَّفْس عليهم، حال وفاته. فعندما اشتدَّ على السُّلطان مرض الموت أرسل إلى السَّيد خالد بألَّا يتأخر بعد وفاتِه عن ارتقاء عرش البلاد؛ وأوعز إلى رئيسِ حرسِه السُّلطاني، صالح مرباجني القمري بمعاضدة السَّيد خالد، وبطاعة أوامره.

عمد السَّيد خالد، بعد وفاة السُّلطان حمد في عام 1896م، إلى تكرار محاولته السابقة، وبعزيمة أشدّ، حيث بادر هو ومؤيدوه بدخول بيت الحكم، متحصِّنًا هذه المرَّة بقوَّة الحرس السُّلطاني، وأعلن نفسه سُلطانًا على زنجبار، وحصل على مبايعة عريضة من العُمانيين، وأمر الفرقاطة السُّلطانية جلاسجو بأن تضرب المدافع إعلانًا بذلك، وأرسل السُّلطان الجديد بيانًا إلى القناصل المعتمدين في البلاد، يُعلِمهم بتسنمِه العرش، كما ضمَّن بيانه طلبًا بالاعتراف به كسُلطان على البلاد. امتنع جميع القناصل عن الإعراب عن موقف بلادهم تجاه ذلك الحدث، إلى حين استقراء ردَّة فعل سُلطة الحماية البريطانية.

لم يعبأ السُّلطان خالد بن برغش بالإنذارات التي وجِّهت إليه من سُلطة الحماية؛ وإنَّما ردَّ عليها: بأنه يُؤثر الموت على التنازل عن حقِّه في العرش. يُذكر أنَّ السُّلطان خالد استشار مُناصِريهِ، قبل أن يتمسَّكَ بوقفته الشجاعة تلك، فكان ردُّهم: «المنِية ولا الدَّنيَّة»، مؤكِّدين له استعدادهم للقتال دون الرضوخ للإنجليز، وذلك بقولهم، ما معناه، إن بنادقهم لن تغمَد قبل أن يفرضوا على الإنجليز إرادة شَعب زنجبار في اختيار سُلطانه. يُشار إلى أن إجمالي القوَّة التي احتشدت في صف السُّلطان خالد بلغ قوامها 2000 رجل.

في تمامِ التاسعة من صباح يوم الخميس، 27 أغسطس 1896، الذي وافق ثالث أيام حُكم السُّلطان خالد؛ وبينما كانت قوَّات السُّلطان، تنشد وتصدح بالأناشيد العسكرية الحماسية، أطلقت البوارجُ البريطانية نيران عُدوانها ومدافعها تجاه قصر الحكم، وبيت العجائب، مسقِطةً أجزاءً كبيرة من الأوَّل، وألحقت بالثاني أضرارًا مُتوسطة؛ مُخلِّفةً وراء الهجمة حوالي خمسمئة قتيل، وعددًا غير قليل من الجرحى؛ كما أُغرقت الفرقاطة السُّلطانية جلاسجو والتهمت نيران المدافع ما يقدر بنصف مساحة الجمارك، أو ما يعرف «بالفرضة». ومما يُذكر، أن الخسائر الإنجليزية تمثلت في جريحٍ واحد فقط. وبينما كان السُّلطان خالد وسط أنقاض بيت الحكم، وقبل أن تمتدَّ إليه يد الغدر، أخرجه من الأنقاض قائد الحرس السُّلطاني؛ وإذا بالشيخ القاضي محمد بن سليمان المنذري، يزف إلى السُّلطان نبأ حصوله على الحماية الألمانية، ليصطحبَه - من فوره - إلى مقرِّ القنصليةِ، حيث الحماية والأمان، لينقلَه الألمان فورًا إلى دار السلام، التي كانت مُستعمرة ألمانية. يُذكر، أن قائد الحرس «القمري» المخلِص، رفض إلا أن يبقى في الحماية الخاصة للسُّلطان الشَّاب في منفاه، رغم الوضع الخاصِّ الذي تمتع به السُّلطان في ظل الحماية الألمانية.

للوقوف على ما حدَث بعد الحماية الألمانية؛ تابعونا في الجزء القادم.

الحقائق التاريخية وراء ما عرف بـ«أقصر حرب فـي التاريخ» «2»
الحقائق التاريخية وراء ما عرف بـ«أقصر حرب فـي التاريخ» «2»
الحقائق التاريخية وراء ما عرف بـ«أقصر حرب فـي التاريخ» «2»