الأربعاء 15 يناير 2025 م - 15 رجب 1446 هـ
أخبار عاجلة

دعائم الحكمة.. «1» التفكر

الأربعاء - 28 أغسطس 2024 05:50 م
10

الدعام المباشر في تحريك عجلة الحكمة هو التفكّر، التفكر في حكمة الله في خلقه وإتقان ذلك الخلق، إذ كل شيء خلقه بقدر، فمنها يستمد نور الحكمة وتمط البصيرة، وقد قال الله عز وجل في سورة لقمان قبل الشروع في تلاوة حكم لقان الحكيم لابنه:(.. وهو العزيز الحكيم، خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ، هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ).

والتفكر مأخوذ من مادة فكر، والفكر هو:(التأمل وإعمال الخاطر في الشيء) عند ابن منظور، كما عرفه الجرجاني في الاصطلاح أنه:(تصرفُ القلبِ في معاني الأشياءِ لدركِ المطلوب)، فالتفكر تفتيش بين وريقات الأشياء للبحث عن ماهيتها ومعرفة حقيقتها، فيزهد الحكيم من عبوسها صبرا محتسبا، ويطلب خيرها بالإرادة والعزم.

مظاهر الحكمة في التفكر:

(يقود التفكر إلى معرفة مصالح الآخرة وكيفية اجتلابها، وتمييز مفاسدها وكيفية اجتنابها) (ابن القيم في الفوائد)، والقصد من هذا الفكر في نعم الله وأمره ونهيه، وطرق العلم به وبأسمائه وصفاته من كتابه وسنته وكونه.

(وكما يقود التفكر في معرفة مصالح الدنيا وكيفية تحصيلها، وتمييز مفاسدها، وطرق الوقاية منها) (ابن القيم في الفوائد) من خلال تفكر الحكيم في الدنيا والآخرة يتسنى للحكيم وضع خارطة طريق توصله إلى أهدافه المثلى في الدارين فيكون بذلك قائدُا فاعلُا متفوقُا منتصرُا.

من الأمور التي وردت مادة للتفكر في آيات القرآن في التفكر في:(المنافع والمضار من المطعوم، وخلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار، ورفع السماء بلا عمد، وفوائد الشمس والقمر، ونزول الماء من السماء وأثره على الأرض والإنبات والسقي، وأمثال القرآن كعدم التساوي بين الأعمى والبصير للهداية، وقصص القرآن للعبرة، ونزاهة النبي وعقله من الجنون، والتفكر في إحكام القرآن وأحكامه المتكاملة وآياته، وفي عظمة أودعها في بعض مخلوقاته الصغيرة كالبعوض والنحل والنمل، وفي النفس البشرية من خلقها وتزويجها وتناسلها وموتها وبعثها وغير ذلك).

فوائد التفكر:

يقول الغزالي في (الإحياء):(لا يخفى أن الفكر مفتاح الأنوار ومبدأ الاستبصار وهو شبكة العلوم ومصيدة المعارف والفهوم)، والتفكر عبادة عميقة ذات أثر مستطير توصل إلى رضوان الله ومحبته، والتفكر يضبط الميزان المعتدل بين كفتي الخوف من الله ورجائه. والتفكر سبب لنهضة الأمم، فإن وجد في كل أمة مفكروها أي حكماؤها سارت سفينتهم بخير.

التفكر يورث الحكمة ويحيي القلوب، وهو عبادة من شأنها تقوي الإيمان وتعمق اليقين، وتعزز الثقة بالله.. عليه ينبغي المحافظة على تعليم الشريعة الإسلامية وتفسير قرآنها الحكيم وتدريس سنتها الموصوفة بالحكمة وتطبيق أخلاقها ومبادئها وتخريج رجالا فقهاء صادقين على دفعات متتالية دائمة سيكون لهم الأثر الفكري المبين الذي تحيا به الأمة.

سامي السيابي

كاتب عماني

(فريق ولاية بدبد الخيري)