الأربعاء 15 يناير 2025 م - 15 رجب 1446 هـ
أخبار عاجلة

الإحسان وعلامات أهله «3»

الأربعاء - 28 أغسطس 2024 05:40 م
10

أيها الأحباب: اعترض طريقنا في المرة الماضية سؤال أهل علينا بقول: ما الذي يعود على المجتمع من فضيلة الإحسان؟ والحقيقة أن الإجابة تسعد القلوب وتدخل السرور على النفوس، فالمجتمع الذي يكثر فيه الإحسان هو مجتمع معطاء بناء ومتماسك متحضر ومزدهر راقي، «قال أحد المعاصرين: الإحسان من عناصر التّربية الواعية نأخذه من قوله تعالى:(وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة ـ ١٩٥)، فالإحسان في صورته العليا صفة ربّ العالمين، والله سبحانه عند ما نشر أبناء آدم فوق الثّرى، وناط بهم رسالة الحياة، كلّفهم- كي يكونوا ربّانيّين- أن يحسنوا العمل، وأن يبلغوا به درجة الكمال، وإذا غلبتهم طباعهم الضّعيفة فلم يصلوا إلى هذا الشّأن كرّروا المحاولات، ولم يستريحوا إلى نقص أو قصور، وعليهم أن يجاهدوا حتّى يبلغوا بأعمالهم درجة الكمال المستطاع، حتّى في معاملة الحيوان الأعجم، وقد مرّ المصطفى صلّى الله عليه وسلّم على رجل واضع رجله على صفحة شاة، وهو يحدّ شفرته، وهي تلحظ إليه ببصرها، فقال: «أفلا قبل هذا أتريد أن تميتها موتتين؟ هلا أحددت شفرتك قبل ن تضجعها»، إنّ الإحسان يقتضي من المسلم ألّا يضيّع وقته هباء، وأن يصرف جهده إلى النّافع من الأمور، فعن الشّريد- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من قتل عصفورا عبثا عجّ إلى الله يوم القيامة يقول: يا ربّ إنّ فلانا قتلني عبثا ولم يقتلني منفعة»، ويقول ماجد الكيلانيّ: يتضافر كلّ من العدل والإحسان في تحقيق الشّعار الّذي ترفعه فلسفة التّربيّة الإسلاميّة وهو شعار بقاء النّوع البشريّ ورقّيّه، وإذا كانت ثمرة العدل هي بقاء النّوع البشريّ فإنّ الإحسان يثمر الرّقيّ لأنّه يعني التّفضّل والعطاء دون مقابل من الجزاء أو الشّكر، ويؤدّي إلى توثيق الرّوابط وتوفير التّعاون، فالإحسان من أهم وسائل نهضة المسلمين، فيقتضي من المسلم إتقان العمل المنوط به إتقان من يعلم علم اليقين أنّ الله- عزّ وجلّ- ناظر إليه مطّلع على عمله، وبهذا الإتقان تنهض الأمم وترقى المجتمعات، قال ابن القيّم- رحمه الله-: الإحسان من منازل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، وهذه المنزلة هي لبّ الإيمان وروحه وكماله، وهي جامعة لما عداها من المنازل، فجميعها منطوية فيها، وعند ما سأل عمر بن عبد العزيز محمّد بن كعب القرظيّ- رحمهما الله- قائلا: صف لي العدل، قال: بخ، سألت عن أمر جسيم، كن لصغير النّاس أبا، ولكبيرهم ابنا، وللمثل أخا، وللنّساء كذلك! وعاقب النّاس على قدر ذنوبهم، ولا تضر بنّ في غضبك سوطا واحدا فتكون من العادين. ذاك وصف العدل. أمّا الفضل فله سيرة أخرى لعلّ أقربها ما جاء عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال له: «ألا أدلّك على أكرم أخلاق الدّنيا والآخرة؟ أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وذاك هو الإحسان». نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (2/‏ 87) بتصرف يسير». وإذا أرد أخي المؤمن أن تعرف أهل الإحسان فلهم علامات تدل عليهم، أذكر لك بعضها: جاء في «عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- في خطبة له: إنّا والله قد صحبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في السّفر والحضر، وكان يعود مرضانا، ويتبع جنائزنا ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير». و»عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «خمسا لهنّ أحسن من الدّهم الموقفة. لا تكلّم فيما لا يعنيك، فإنّه فضل ولا آمن عليك الوزر، ولا تتكلّم فيما يعنيك حتّى تجد له موضعا، فإنّه ربّ متكلّم في أمر يعنيه، قد وضعه في غير موضعه فعنّت، ولا تمار حليما ولا سفيها، فإنّ الحليم يقليك وإنّ السّفيه يؤذيك، واذكر أخاك إذا تغيّب عنك ممّا تحبّ أن يذكرك به. وأعفه عمّا تحبّ أن يعفيك منه، واعمل عمل رجل يرى أنّه مجازى بالإحسان، مأخوذ بالإجرام» انظر كتاب» نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (2/‏ 87) مرجع سابق». ويقول صاحب «موسوعة فقه القلوب (4/‏ 3529) «أهل الإحسان إلى الناس بأموالهم على اختلاف حاجاتهم ومصالحهم من تفريج كرباتهم، ودفع ضروراتهم، وكفايتهم في مهماتهم، وذلك لما فيه من منافع، النفع العام، والإحسان المتعدي إلى الخلق، فهذا ينفعهم بعلمه، وهذا ينفعهم بماله، والخلق كلهم عباد الله، وأحبهم إليه أنفعهم لعباده». فاللهم اجعلنا من المحسنين أجمعين.

محمود عدلي الشريف

 [email protected]