تعمل «إسرائيل» على إنجاز محاولات «كَيِّ الوعي» داخل فلسطين المُحتلَّة عام 1948، وبَيْنَ مَن تبقَّى في فلسطين من شَعبها بعد النَّكبة الأولى، من خلال اتّهام فلسطينيي الداخل بـ(الانحلال الخُلقي أوَّلًا وأساسًا) و»التردِّي الوطني» ثانيًا، وسيادة منطق «الأسرلة» وسقوط «الهُوِيَّة الفلسطينيَّة» ثالثًا، مُستدلِّين في هذا على أخبارٍ مُلفَّقة يتمُّ نشرُها بَيْنَ حينٍ وآخر، وكان آخر خبر تمَّ نشرُه عَبْرَ وسائل الإعلام العبريَّة «الإسرائيليَّة» عن آلاف العرب الفلسطينيِّين من أبناء الداخل الفلسطيني المحتشدين على معبر (الشيخ حسين) وهُمْ يتزاحمون لحضور حفل المغنِّيَيْنِ اللبنانيِّين: وائل كفوري وجورج وسوف في مهرجان جرش الأردني، في ظلِّ محنة قِطاع غزَّة والقتل اليومي. فضلًا عن نشرِهم الدؤوب (أي وسائل الإعلام العبريَّة الإسرائيليَّة) لصورة الشَّاب العربيّ متطوِّعًا ومقاتلًا في صفوف «الجيش الإسرائيليّ»، ووصفه بأنَّه يقاتل «المخرِّبين» في قِطاع غزَّة، في محاولةٍ لبثِّ التَّفرقة والكراهية بَيْنَهم وبَيْنَ أبناء الشَّعب الواحد الموَحَّد. وكُلُّ هذا يأتي في سياق محاولات سُلطات الاحتلال إعادة بناء وعيٍ جديدٍ عنوانه «الكَيُّ» لعموم أبناء فلسطين خصوصًا في منطقة القدس المستهدف رقم واحد أساسًا بالتَّهويد، ثمَّ الضفَّة الغربيَّة. الجميع يُدرك، بل وعلى يقينٍ تامٍّ، بأنَّ أبناء فلسطين المُحتلَّة المُهجَّرين بغالبيَّتهم عام النَّكبة، يعيشون في ظلِّ تفرقة عنصريَّة صارخة، والسَّيف مُسلَّط عَلَيْهم من قِبل الاحتلال، حيث فقدان المساواة والمواطنة الحقيقيَّة، بل التَّمييز الصَّارخ بكُلِّ مجالات الحياة اليوميَّة. فالعرب الفلسطينيون أصحاب الوطن الأصليون يعانون خمسة بالألف قياسًا للمُجتمع اليهودي الاستيطاني على أرض فلسطين. ممَّا يُراكم حالة من الألَمِ والكبْتِ الَّذي يعيشه المُجتمع العربيّ في الداخل كحال مواطني الضفَّة الغربيَّة والقدس وقِطاع غزَّة ومُخيَّمات الشَّتات الواقعين تحت نير الاحتلال والتنكُّر لحقوقهم الوطنيَّة والتَّاريخيَّة. إنَّ صرخات الشَّعب الفلسطيني على امتداد أرضه التَّاريخيَّة، لم تتوقف منذُ نكبته الكبرى الأولى، والَّتي تلتها نكبات تالية، لا يُسمع سوى بيانات التَّضامن والقلق والاستنكار من أطراف مختلفة، ومن الشرعيَّة الدّوليَّة وقراراتها الصَّادرة الَّتي صدرت تباعًا وما زالت تتكدَّس قراراتها في أدراج الأُمم المُتَّحدة. وبالطَّبع هذا لا ينفي أهميَّتها؛ لأنَّ الشرعيَّة الدّوليَّة لا تموت بالتَّقادم ولا يلغيها تَجبُّر ظالِم. ودليلنا على ما ذهبنا إِلَيْه الحراكات الدّوليَّة الَّتي لم تتوقف من أجْلِ فلسطين على امتداد العالَم بأسْرِه. إنَّ قوافل الهجرة الكولونياليَّة التَّهويديَّة الاستيطانيَّة الَّتي جاءت إلى فلسطين من جمهوريَّات الاتِّحاد السوفييتي بعد انهياره عام 1990 وبأعدادٍ زادت عن مليون ورُبع المليون يهودي من روسيا وأوكرانيا ومولدافيا وغيرها...إلخ. بعضهم جاء هاربًا من فقرٍ وعدم استقرار سياسيّ في بلده الأصلي بعد تفكُّك الاتِّحاد السوفييتي وانهيار منظومته، ولا يعرفون عن اليهوديَّة شيئًا بالأصل، بل صاروا يهودًا بعد تهويدهم، وبعضهم رفض التَّهوُّد، ولكن خدم أبناؤه في «الجيش الإسرائيلي»، وصار عددٌ كبير مِنْهم يهودًا يخدمون في قِطاع غزَّة وغيره. لذلك تحوَّل مُعْظمهم بَيْنَ ليلةٍ وضحاها إلى حالةٍ استبداديَّة قمعيَّة تعمل على «كَيِّ وعيِ العرب الفلسطينيِّين».