إن الله تعالى شرع فريضة الزكاة على عباده وجعلها حقًّا معلومًا في المال يدفع إلى المستحقين لها عند توافر شروطها، وفرض الزكاة على المسلمين هو من أظهر محاسن الإسلام، لكثرة فوائدها إذ يتحقق بها دفع حاجة الفقير، وتثبيت أواصر المودة بين الغني والفقير لأن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، وتطهير النفس وتزكيتها والبعد بها عن صفة الشح والبخل.. وغير ذلك من الفوائد الكثيرة.
وهي ليست تفضلًّا أو إحسانًا بل إن الزكاة نظام إسلامي، حق للجماعة تؤدى في جميع الأحوال حتى لو لم يوجد فقير في المجتمع لتكون رصيدًا ينفق منه عند الحاجة والاقتضاء كمورد عام من موارد الدولة الإسلامية.
الزكاة هي (الحصة المقدّرة شرعًا من المال فرضها الله للمستحقين مع النية) (مذكرة فقه الزكاة للدكتور إبراهيم الغماري)، الزكاة من مادة (زكا ـ يزكو)، وهي نقيض (دسا ـ يَدْسُو) (معجم العين للخليل بن أحمد)، وجاءت عدة معانٍ للزكاة تعبّر عن روعة هذه المادة منها: الطهارة، قال الله تعالى:(قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) (الشمس ـ 9)، أي: طهرها، فالمؤمن الذي يؤدي زكاة ماله: يطهر نفسه وقلبه وماله من البخل والشح ومعصية الله تعالى الذي أمر بدفع الزكاة، والبركة والنماء، قال الله تعالى:(يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) أي: ينميها ويزيدها بركة، والصدقات هي المعنى العام للزكاة، ويؤكد هذا المعنى النبي (صلى الله عليه وسلم):(مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ) (رواه الترمذي)، قال القطب:(أي: يخلفه الله عددًا، أو كمالًا بالبركة) (تيسير التفسير).
فالمسلم عندما يخرج من ماله جزءًا للزكاة في ظاهر هذا أنه نقص من ماله، ولكن تأتي البركة فيما بقي له من مال بفضل الله ووعده، فكم من مال كثير ليس به بركة؟!.
وقد شرعت الزكاة في السنة الثانية من الهجرة حيث أمر الله تعالى بإخراجها في كتابه العزيز، فكانت ركن من أركان الإسلام، وواحدة من الفروض التي فرضها الله تعالى على عباده، وقد ثبتت فرضيتها بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول، قال تعالى:(وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (البقرة ـ 110)، وقال تعالى:(وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة ـ 5).
لقد جاءت نصوص كثيرة في القرآن والسنة تحذر من اكتناز المال ومنع حق الله فيه لما ينتج عن ذلك من البخل والجشع والشح والأنانية وعدم الإحساس بمعاناة الآخرين من الفقراء والمحتاجين ومن هنا كانت فريضة الزكاة تهدف إلى تحقيق مجموعة من الأبعاد التربوية والاجتماعية والاقتصادية نذكر منها ما يلي:
الأبعاد التربوية للزكاة: تطهير النفس من داء الشح والبخل الذي حذر منه القرآن وذمه، واقتلاع هذا الخلق الذميم من النفوس وتدريبها وتربيتها على البذل والسخاء والإنفاق، والتقرب إلى الله سبحانه والطمع في رضاه وجنته، وتحقيق شكر نعمة المال والاعتراف بفضل الله سبحانه، ورجاء البركة والزيادة منه سبحانه.
وأما الأبعاد الاجتماعية للزكاة: التخفيف من مشكلة الفوارق الاجتماعية وإعادة التوازن إلى المجتمع، والقضاء على ظاهرة التسول والتشرد بتشغيل القادرين وضمان المعيشة للعاجزين، وتحقيق التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع بمختلف الطبقات، وتحقيق التآلف بين القلوب وخاصة بين الفقراء والأغنياء، وتحقيق الرعاية الاجتماعية للفئات المهمشة وذوي الاحتياجات الخاصة والتخفيف من آلامها.
وأما الآثار الاقتصادية للزكاة: تحقيق التنمية الاقتصادية المثلى للمجتمع، باعتبار أن الزكاة تعتبر موردًا أساسيًا من موارد بيت المال (الخزينة العامة) والتهرب من أدائها أو الغش فيها نادر الحصول، والفرد المسلم مطالب بأداء هذه الفريضة العظيمة وإقامة هذا الركن وإن فرطت الدولة في المطالبة بها، أو تقاعس المجتمع عن رعايتها، لأنها قبل كل شيء عبادة وقربة وتزكية.
سامي السيابي
كاتب عماني
(فريق ولاية بدبد الخيري)