دراسة نقدية
تبدو التجربة الشعرية عند الشاعرة الشيخة أفراح مبارك الصباح قريبة من الوجدان الإنساني المتطلع إلى الجمال في كل صوره، حتى وإن جاء في صور حزينة وذلك لأن الشاعرة تجنح إلى الصور الشعرية التي تقرب المشاعر وتجعلها متأصلة في النفس التوّاقة إلى الجمال.
ومن بعد ديوانين حصدا التميز واستحسان المتلقي، وهما عويل الصمت لا يسمع، ثم الصندوق، جاء ديوانها الثالث شغف أزرق، والذي نرى أنه استكمال لما سبقه، واستعادة حقيقية لجودة الشعر، من خلال نصوص تحمل في مضامينها صدق المشاعر التي تخرج من أنفاس إنسانية تتحين الفرصة من أجل أن تقول ما يجب أن يقال، في أوقات الفرح والسعادة، وكذلك في أوقات الحزن والفقد والألم.
وشغف أزرق صدر عن دار الفراشة للنشر والتوزيع، و ضم 112 ورقة من القطع المتوسطة، واحتوى على 23 نصا شعريا، ولوحات فنية بريشة الفنانة التشكيلية ديمة الغنيم.
وجاء إهداء الديوان على النحو التالي: إلى روح... تكتبني شعرا، مما ينسجم مع ما سيقرأه المتلقي من قصائد مستخلصة من الروح التي هي منبع التأمل والإبداع، وهي من تسكن الجسد لتمنحه الحياة.
وبالتالي جاء النص الأول من الديوان عروس بنيد القار 3، ليكمل نصين سبق للشاعرة أن نشرتهما في ديوانها الثاني، وهي نصوص تبر بها والدتها رحمها الله، وتذكر في كلماتها ما يجيش في روحها من مشاعر، ربما لا تكفي الكلمات لتوضيحها، ورسم أشكالها ومضامينها الإنسانية الكبيرة:
يما
يا وجع الأيتام في ليلة العيد
يا عبرة الأمهات في لحظة الفرح
يا كسرة العاشق وقت الفراق
فقدانُك كون ...
وولهي عالم.
كما أن الشاعرة في قصيدة كون خال من الحياة، تبحث في اتجاه فلسفي عن الواقع، الذي ترى فيه الجمود والفقد والرماد والآهات، وفي نص أنة تعب، سيجد المتلقي ثمة رؤى مغايرة في وصف التعب الذي تراه في الآتي من بعيد ذلك المستقبل الذي لا تتأكد ملامحه في خيالها، كي ترسم لوحة تشكيلية بالكلمات في نص خطوات بطعم الدمع .
وفي قصيدة شغف أزرق التي حملت عنوان الديوان، فإننا أمام شغف من نوع آخر، إنه الشغف بلون البحر والسماء، وهذا ما بدى جليا في المعنى، فرغم ما يتضمنه من حزن وإشفاق على النفس من هذا العالم المزدحم، بغموض والمنافي الذاتية إلا أن الأمل لا يزال باق: المنافي والأغاني أوطان تتصدع خيط من شوق و أوصله إلى البدر و في ليلة غاص بعتمتها عتاب و ظل يسبق الكلمة و بحار لازوردية و أنا و عندما أسكن عينيك .
ونقرأ نص عمق الذي يكشف الانزواء والنسيان والوعد، الذي يشغل النفس، وقصيدة هوى كان، يعبر بالمشاعر إلى الشوق، غير أن الحب في نهاية القصيدة يجلس متأملا خيبته ونص غرائبية حسن و جنون عاقل فيه الكثير من الفلسفة كل أتى في غير موعده كل أتى متأخرا يحمل قلبه العطب بيده، وفي حوار صامت نقرأ الصور الشعرية المنبثقة من النفس الشاعرة أرتب نفسي على مقياس سعادتك، بينما تتأصل المعاني في نص قناديل عمياء
إنه إبحار ذهني ونفسي وكذلك فلسفي، أخذتنا إليه الشاعرة الشيخة أفراح مبارك الصباح، من خلال كلمات شفّافة وروح تبحث عن الحلم في أركان الحياة كافة، ولا تركن أبداً إلى السكون حيث إن الأسئلة متواصلة، رغم ندرة الأجوبة، أو حتى استحالتها.