الثلاثاء 03 ديسمبر 2024 م - 2 جمادى الآخرة 1446 هـ
أخبار عاجلة

هل ماتت الأخلاق أم مات الحياء؟

هل ماتت الأخلاق أم مات الحياء؟
السبت - 10 أغسطس 2024 05:36 م

محمد الكندي

1980

إذا فُقد الحياء من المرأة.. أصبحت كالوردة الَّتي تفقدُ رائحتَها من كثرةِ شمِّها.

‫الحياء خلُقٌ عظيم جاء به الشَّرع، وهو من الأخلاق الرَّفيعة الَّتي أمَرَ بِها الإسلام، وأقرَّها، ورغَّبَ فيها، وهو من أميَزِ ما يُميِّز المرأة المُسلِمة عن غيرها.‬ وإذا فُقد الحياء من المرأة.. أصبحت كالوردة الَّتي تفقدُ رائحتَها من كثرة شمِّها.

‫وحياءُ المرأةِ المُسلِمة هو رأسُمالِها.. فيه عزُّها.. وبِه تحفظُ كرامتَها وشرَفَها وشرَفَ أهْلِها.. وليس هناك امرأةٌ صالحة لا يُزيِّن الحياءُ خلُقَها.. قال عَلَيْه الصَّلاة والسَّلام: (إنَّ لكُلِّ دِين خُلُقًا، وخُلُقُ الإسلامِ الحياء).‬

في هذه الزَّاوية نتكلَّم عن حياءِ المرأة.. وممَّا يُؤسِفني في هذه الأيَّام أن نجدَ امرأةً عُمانيَّة في «السوشيال ميديا» تخلَّت عن حيائها، فنقَصَ دِينها، وقلَّ حياؤها الَّذي هو شُعبةٌ من شُعَبِ الإيمان.

أسئلةٌ كثيرة تَدُور في عقلي... وأتساءل دائمًا: ما الَّذي أوصلَ فتَيَاتٍ إلى هذا الحال؟ كيف تدحرجت حالُهنَّ إلى السَّحيق بعد أن كنَّا في القِمم؟ ما الَّذي نزعَ الحياء بهذا الشَّكل الخالي من المروءة العربيَّة، فضلًا أن تكُونَ إسلاميَّة؟ كيف وصلت هذه الفتاةُ إلى إخراجِ محاسنِها ولبسِها شِبه العاري في «السوشيال ميديا» بِدُونِ أن يرفَّ لها رمشٌ من حياءٍ أو خجَلٍ؟..إلخ من هذه الأسئلة الَّتي تُدُور في عقلي...!!!

الشَّيء الَّذي أنا متأكِّد مِنْه هو غيابُ الرِّجال.. نَعم غابَ الرِّجال فسادَتِ النِّساء، وقلَّ الحياءُ وتُركَ لهُنَّ الحبلُ على الغارب... فأين الرِّجال؟ أين القوامة الَّتي فرضَها الله عَلَيْهم؟ أين الرَّدع من الجهات المعنيَّة في هذه الأُمور المُخلَّة للآداب إذا كان الأب أو الزَّوج غير قادر على ردعهنَّ؟!

هل أصبح من أولياء الأُمور مُهمَّتهم هو الكسبُ والإعلاف فقط..؟ هناك مَنْ يَعْلَمُ ولكن يتغابَى ويتعامَى عن ملابس بناته، ويَعْلَمُ كُلَّ العِلم أنَّهُنَّ يلبسنَ العاري لكن ليس بِيَدِه حِيلة وتقنعُه امرأتُه بأنَّ كُلَّ النَّاس بهذا الشَّكل! إنَّ التَّجاهل والتَّغابي والتَّعامي الَّذي أنتَ فيهِ أيُّها الرَّجُل هو الَّذي أوصَلَ تلك الفتيات لهذا الحال المُزري.

كُلُّكم راعٍ، وكُلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّته، فإذا فسَدَ الرَّاعي فسَدَتْ رعيَّته.. للأسف غابَتْ قوامة الرَّجُل فغابَ معها حياءُ وعفَّة النِّساء.

إذا كان ربُّ البيتِ للدفِّ ضاربًا

فشِيمةُ أهلِ البيتِ كُلّهم الرَّقص

رسالتي للأُخت العزيزة:

أُختي العزيزة.. الحياءُ هو تاجٌ فوقَ رأسِكِ، يجِبُ ألَّا تتخلَّيْ عَنْه، ولا تَقْبَلِي في يومٍ من الأيَّام أن تخلعِيه مهما كانتِ الإغراءات، ومهما كانتِ الظُّروف والأحداث.. الحياءُ زينتُكِ الَّتي يجِبُ أن تتزيَّنِينَ به.. فمَنْ فقَدَتْ حياءها فقَدَتْ كُلَّ شيءٍ، وأصبحت فريسةً لأهلِ الإغواء وأصحابِ الهوَى.. يفترسونها متى يشاءون، ويبثُّون لهَا السموم متى أرادوا.. فانتبهي ولا تكُوني فريسةً لَهُم.

أُختي العزيزة.. اِعْلَمِي أنَّ فتنةَ هذا الزَّمان هي غيابُ الحياءِ من النَّاس.. يلبسُ الرَّجُلُ بِدُونِ حياءٍ، وتلبسُ المرأةُ بِدُونِ حياءٍ، يتكلَّمُ الرُّجُلُ بِدُونِ حياءٍ، وتتكلَّمُ المرأةُ بِدُونِ حياءٍ.. وبالفعل الحياءُ ذهَبَ وغادَرَ وخجلَ ممَّا شاعَ من صوَرٍ وسلوكيَّات.. غادَرَ هذا الزَّمنُ كما غادرَتْ صوَرٌ وأشياء ومبادئ وأخلاق جميلة وعفَّة وطهارة وبراءة ورقابةُ أهْلٍ ورفقةُ أُمٍّ! غادَرَ الحياءُ بعضَ العقولِ والأجسادِ والقُلوبِ ليحلَّ مكانه ـ وللأسفِ الشَّديد ـ الجُرأةُ وقلَّةُ الأدبِ والوقاحةُ العلنيَّة في «السوشيال ميديا».

رسالتي لأولياءِ الأُمور وللرِّجال..

استيقظْ أيُّها الرَّجُل الغيور.. استيقظْ أيُّها الكريم.. استيقظْ من عَرينِك ومن حالةِ التَّخدير الَّتي أنتَ فيها.. افتحْ عَيْنَيْك لملابسِ بناتِك وزوجتِك، فَهُمْ رعيَّتُك.. استيقظْ ـ رحمَكَ اللهُ ـ فقَدْ طال سباتُكَ ولا تدري متى تُغادرُ الدُّنيا.. فلا تجعل الزَّوجة هي المسؤولة عن لباسِ ابنتِكَ وحيائها، فإنَّها مسؤوليَّتُك عَنْها أوَّلًا.. وأنتَ المُحاسَبُ عَنْها يوم القيامة أمام الله سبحانه وتعالى.. استيقظْ فلعلَّ اللهَ يُعِيدُ لِبَناتِنَا الحياءَ وننعمُ بمجالسَ ومقاطعَ تخلُو من العُري وكُلِّ ما يُغضبُ اللهَ سبحانه وتعالى.

وفي الختام، نقول: إنَّ الحياءَ سياجٌ يصونُ كرامةَ المرأةِ، ويحفظُ لهَا سلوكَها بعيدًا عن الكبائر والفُحش، وأقوالَها بعيدًا عن البذاءة.. وبهذا ترتفع به عن السَّفاسف. وعِندما يُخرقُ هذا السِّياج، ويذهَبُ الحياءُ فإنَّ المقاييسَ جميعَها يُصيبُها الخلَلُ، ويصدرُ عن المرأةِ عندئذٍ ما لا يتناسَبُ مع تفرُّدِها وتميُّزها.. والتَّكريم الَّذي كرَّمه اللهُ تعالى إيَّاها.. فالحياءُ كنزٌ من الكنوز الَّتي تُعلي قدرَكَ عِند الله.. فحافِظْ عَلَيْه ولا تفرِّطْ فيه مهما كانت المُغريات.. الله المستعان، وإلى الله المُشتَكَى.

محمد الكندي

كاتب عماني