تحتفل سلطنة عُمان بيوم الزراعة الَّذي يوافق الحادي والثلاثين من أكتوبر، وسط مؤشِّرات إيجابيَّة، سجلت خلاله القِيمة المضافة للأنشطة الزراعيَّة في سلطنة عُمان نموًّا ملحوظًا خلال عام 2024، حيثُ ارتفعت بالأسعار الجارية من (569) مليون ريال عُماني في عام 2023 إلى (623) مليون ريال عُماني محقِّقةً بذلك نموًّا بنسبة (9.5%)، وقد بلغت مساهمة هذا القِطاع في الناتج المحلِّي الإجمالي بالأسعار الجارية نَحْوَ (1.5%). وفي السياق ذاته ارتفعت القِيمة المضافة للأنشطة الزراعيَّة بالأسعار الثابتة من (549) مليون ريال عُماني في عام 2023 إلى (573) مليون ريال عُمان في عام 2024 مسجلةً نموًّا بنسبة (4.37%) وبلغت مساهمة القِطاع في الناتج المحلِّي الإجمالي بالأسعار الثابتة نسبة (1.5%) خلال نفس العام. وحقق القِطاع الزراعي ارتفاعًا عامًّا في الإنتاج بشقيَّه النباتي والحيواني في عام 2024 مقارنة بعام 2023 فقد بلغ حجم الإنتاج ما يساوي (4.431) مليون طن مقابل (4.141) مليون طن ليصل إلى (3.9) مليون طن مقارنة بـ(3.7) مليون طن عام 2023، وبلغت المساحة الكليَّة المزروعة بالمحاصيل النباتيَّة لعام 2024 نَحْوَ (311.689) فدانًا بزيادة قدرها (6.4) مقارنة بعام 2023، فيما قدّر إجمالي الإنتاج بحوالي (3.935.196) طنًّا محققًا نموًّا سنويًّا نسبته (7%)، وقد سجلت مجموعة الخضراوات أعلى معدَّل نُمو بنسبة (17.5%) تلتها المحاصيل الحقليَّة بنسبة (11%) بَيْنَما حققت محاصيل الفاكهة نموًّا بنسبة (2%)، واستقرت المحاصيل العلفيَّة عند نموِّ محدود بلغ (1%). وتشير المؤشِّرات إلى أنَّ نسبة الاكتفاء الغذائي الكلِّي في عام 2024 بلغت (68.5%)، وبلغت نِسَب الاكتفاء في قِطاع المنتجات الزراعيَّة (الحبوب/الخضراوات/الفواكه) (49.4%)، وأنَّ من بَيْنِ المنتجات الزراعيَّة الَّتي تجاوزت نسبة الاكتفاء (75?): هي: الخيار 100?، التمر 99?، الفلفل 96?، الطماطم 82?.
ورغم الجهود المبذولة الساعية لتحقيق تحوُّل نوعي في سلَّة الأمن الغذائي الزراعي، إلَّا أنَّ ما يظهر من المساهمة الخجولة لقِطاع الزراعة والثروة الحيوانيَّة في الناتج المحلِّي لسلطنة عُمان، والَّتي لم تتجاوز (1.5%) من إجمالي الناتج المحلِّي لعام 2024، وهي نسبة متدنية تستدعي تبنِّي سياسات وطنيَّة أكثر استدامة وعمليَّة وإجرائيَّة ومبتكرة، وعَبْرَ التوجيه الأمثل للخريطة الزراعة، وتعظيم حضورها في التنويع الاقتصادي، وتبنِّي مسارات وطنيَّة واضحة تستهدف الانتقال بالقِطاع الزراعي ورفع كفاءته الإنتاجيَّة، وإعادة هيكلة وحوكمة هذا القِطاع بما يَضْمن قدرته على التكيُّف مع مستهدفات رؤية «عُمان 2040» عَبْرَ توفير فرص تشغيليَّة وأنشطة اقتصاديَّة متنوِّعة وتكوين بيئات أعمال محفِّزة للدخول في هذا القِطاع والتعامل مع التحدِّيات والقيود الَّتي يواجهها تحقيق الاكتفاء الزراعي من حيثُ الظروف المناخيَّة، وقلَّة وفرة المياه، والموارد الزراعيَّة، وعَبْرَ تبنِّي أفضل السياسات والاستراتيجيَّات الزراعيَّة العالميَّة، باستخدام أنظمة الريِّ الحديثة والزراعات الأقل استهلاكًا للمياه وتعزيز الاستثمارات والتنويع في الأنشطة الزراعيَّة وتعزيز حضور الزراعة المبتكرة. وبالتالي أن يكُونَ الاحتفال بهذا اليوم مدخلًا لتعظيم الزراعة في حياة الأجيال وتعميق حضور الشركات الزراعيَّة الطلابيَّة والناشئة.
إنَّ من بَيْنِ الأمور الَّتي يُمكِن التأكيد عليها في سبيل تعزيز مساهمة القِطاع الزراعي في تحقيق المستهدفات الوطنيَّة ورفع درجة حضور المواطن (مزارع ومستثمر) فيها، الآتي:
• إيجاد بيئات استثماريَّة محفِّزة للمواطن (المزارع والمستثمر وأنشطة الشباب) للدخول في القِطاع الزراعي بما يتيح له فرصًا أكبر للاستثمار في الأنشطة الزراعيَّة والمنافسة فيها، سواء في عمليَّات الإنتاج الزراعي واستغلال المواسم الزراعيَّة أو الصناعات التحويليَّة.
• توجيه الاهتمام الحكومي بزراعة الخضراوات والمنتجات ذات الاستهلاك السكاني بشكلٍ يفوق المحاصيل العلفيَّة، من حيثُ زيادة إجمالي المساحة المزروعة من هذه المنتجات، وإعادة ترتيب السلال الغذائيَّة بحسب الحاجة إليها واقترابها من الاستهلاك اليومي للسكان، فإنَّ التحوُّلات الحاصلة في المنتج الغذائي وإحصائيَّات التوريد والاستهلاك المحلِّي تُشير إلى الحاجة إلى إعطاء بعض المنتجات الزراعيَّة كالخضراوات بشتَّى أنواعها والحمضيَّات وأصناف بعض الفواكه حضورًا وأولويَّة تفوق بعض المنتجات العلفيَّة.
• رفع درجة استفادة المزارع والمستثمر المواطن من برامج مراكز البحوث الزراعيَّة والمختبرات البحثيَّة، وبحوث التطوير والتحسين في جودة المنتج الزراعي بالمحافظات والتوسع فيها، بما يَضْمن مساعدته في تحسين المنتج، وإيجاد حلول للأمراض النباتيَّة، وتقديم الدعم في الزراعات النسيجيَّة لتشملَ أنواعًا أخرى من الزراعات، بالإضافة إلى تعزيز البرامج التوعويَّة والتثقيفيَّة، الداعمة للمزارع أو المستثمر المواطن بما يُشعره بمزيدٍ من الأمان فيما يقوم عليه من أنشطة زراعيَّة.
• تشجيع المزارع والمستثمر العُماني في إعادة هندسة نشاطه الزراعي عَبْرَ توجيهه عمليًّا للاهتمام بالزراعات والنباتات ذات الاستخدام في العلاجات الطبيَّة أو التجميليَّة، والاهتمام بالأغذية التكميليَّة والأنشطة الزراعيَّة التخصصيَّة ذات الاقبال العالمي كالقمح وقصب السكر أو غيرها من الأنشطة الَّتي تتواءم مع البيئة العُمانيَّة، بما يتطلبه ذلك من توفير أنشطة التبريد والشحن والنقل والتخزين والاستفادة من الفاقد الناتج من الأغذية عَبْرَ إعادة عمليَّات الإنتاج وتشجيع الصناعات التحويليَّة الزراعيَّة.
• إنشاء حزم زراعيَّة نموذجيَّة تراعي طبيعة الظروف المناخيَّة والميزة النسبيَّة للمحافظات وخصوصيَّة كُلِّ ولاية في المحافظة الواحدة في إنتاج بعض المحاصيل الَّتي تتميز بها، بما يَضْمن فرصًا أكبر للتكامل في المنتجات الزراعيَّة بحسب طبيعة كُلِّ ولاية، وانتقاء أفضل الزراعات الموسميَّة الَّتي تنمو فيها أو تشتهر بها.
• العمل على تفعيل وتعزيز نشر مراكز التسويق الزراعي للمنتج المحلِّي وتوفير نقاط للبيع في مختلف محافظات سلطنة عُمان، وعَبْرَ إشراف الحكومة، الأمر الَّذي من شأنه أن يشجع المواطنين نَحْوَ الاستثمار في هذا القِطاع.
• الحدُّ من بيروقراطيَّة الإجراءات والتعقيدات الحاصلة في الاستثمار الزراعي، والموانع والمعيقات الَّتي يواجهها المواطن المزارع والمستثمر في الاستفادة من الأراضي الزراعيَّة أو صعوبة الحصول على مصادر ري مستديمة لها أو التسويق.
• استحقاق الدعم اللوجستي المناسب للمزارع والمستثمر المواطن والتسهيل في استيراد الأسمدة والبذور والشتلات، وتشجيع ودعم أصحاب المشاتل المواطنين نَحْوَ تجريب بعض الأساليب الزراعيَّة الحديثة كالترقيد الهوائي والزراعات النسيجيَّة وغيرها، الأمر الَّذي يقلل من تكلفة شراء الشتلات ويوفر لها الحماية من الأمراض، ويُعزِّز من دَوْر المشاتل في رفع درجة الوعي الجمعي بالزراعة البيتيَّة.
• مراجعة قوانين الاستيراد والتصدير وتعزيز المرونة فيها لصالح المنتج المحلِّي وتشجيع المزارع والمستثمر العُماني، سوف يَضْمن الاستمراريَّة في إيجاد مناخات إنتاجيَّة مريحة، إذ في فترة الإنتاج يحدُث أحيانًا إغراق السوق بمنتجات زراعيَّة معيَّنة، الأمر الَّذي يُشكِّل تحدِّيًا للمنتج المحلِّي، فمثلًا في حالة زيادة المنتج المحلِّي يتمُّ دعم المواطن والتسويق لمنتجه، وفي الوقت نفسه زيادة الضريبة على السلعة الوافدة أو المستوردة أو إيقافها في تلك الفترة، وفي المقابل في حالة شح الإنتاج المحلِّي يتمُّ زيادة حجم المستورد وخفض الضريبة عليه، بحيثُ تعمل هذه الضوابط وفْقَ منظومة تشريعيَّة متكاملة بَيْنَ المشرِّعين والمنظِّمين والمستثمرين والمزارعين.
أخيرًا، فإنَّ يوم الزراعة في إطاره الجديد الَّذي أقرَّه مجلس الوزراء الموقَّر دعوة إلى التمكين الزراعي، وتوفير الحوافز المنتجة والحدّ من الإجراءات غير المنضبطة الَّتي أدَّت إلى تراجع المواطن عن الاستثمار في هذا القِطاع، وتوفير ضمانات حكوميَّة داعمة للاستثمار فيه، ونجاحه مرهون بجديَّة وكفاءة الجهد الحكومي في معالجة التحدِّيات والمنغِّصات الَّتي باتت تؤرق المزارع والمستثمر المواطن، ومن بَيْنِها: ارتفاع مستوى المخاطرة وحالة عدم الاستقرار الَّتي باتت تتعايش مع القِطاع الزراعي بفعل الإجراءات الروتينيَّة والقرارات الارتجاليَّة الَّتي أغلقت نوافذ الأمل الممكنة في هذا القِطاع الواعد، يضاف إليه تدنِّي حجم الدعم المنتج يُعزِّز من وجود سياسات تطويريَّة جادَّة، تحافظ على بقاء المواطن كخطِّ إنتاج رئيسٍ للزراعة؛ والحدّ من الاختلالات الناتجة عن سيطرة العمالة الوافدة ومنافستها للمواطن، كما تأتي مشكلة ارتفاع أسعار المبيدات الحشريَّة وأنظمة الري والأسمدة، والبذور والشتلات، ورفع القيود غير الضروريَّة الَّتي باتت تعرقل قدرة المواطن على الاستمراريَّة، وارتفاع تعرفة الكيلواواط للكهرباء في الأراضي الزراعيَّة عن غيره من المنشآت السكنيَّة رغم قلة عائدها مقارنة بالأنشطة التجاريَّة والصناعيَّة، الأمر الَّذي أدَّى إلى ارتفاع فواتير الكهرباء للمزارعين ودفع مبالغ خياليَّة للكهرباء نظرًا لحاجة المزارع وطُرق الري الحديثة لها، وارتفاع مصاريف الإجراءات الَّتي يدفع فاتورتها المواطن، سواء في استقدام العمالة الوافدة أو في الرسوم الحكوميَّة والتراخيص الزراعيَّة الأخرى.
د.رجب بن علي العويسي